تغير موقف الرأي العام الأميركي نحو الأسوأ تجاه مصر، حيث يتبنى نصف عدد الأميركيين الذين تستطلع آراؤهم في الوقت الراهن رأياً يصب في غير مصلحة تلك الدولة وقيادتها. فخلال معظم سنوات الفترة ما بين 1993 و2010 كان 60 في المئة من الأميركيين يصنفون مصر تصنيفاً إيجابياً، وهو ما يختلف عن آخر تصنيف أجريناه في مارس 2013، حيث لم تزد نسبة من صنفوا مصر إيجابياً على 36 في المئة، بينما كانت نسبة من صنفوها على نحو سلبي 48 في المئة. وهذا التحول الدراماتيكي في الرأي العام الأميركي تجاه مصر يرجع لعاملين رئيسيين: القلق من الدور الذي يلعبه "الإخوان المسلمون"؛ وافتقار الرأي العام الأميركي للمعرفة بالتاريخ المصري المعاصر. ومن قبل، عندما كان تصنيف مصر مرتفعاً استجابة للسؤال المفتوح الذي يقول: ما هي الفكرة الأولى التي ترد على ذهنك عندما تسمع كلمة مصر؟ كان أصحاب الغالبية العظمى من الإجابات يذكرون "الأهرامات" و"أبو الهول"، وغير ذلك من "أمجاد مصر القديمة". وكانت هناك نسبة من المشاركين في تلك للاستطلاعات تذكر اسم السادات واتفاقيات كامب ديفيد. وفي الشهور الأولى من "الربيع العربي"، كانت صور المظاهرات السلمية المؤيدة للديمقراطية في مصر تستدعى إلى أذهان العديد من الأميركيين صوراً من حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة ذاتها، أو صوراً من أحداث سقوط الجدار الحديدي في شرق أوروبا. وبعد هبوط أولي في نسبة التقييم في بدايات عام 2011 عادت التقييمات لتصب في مصلحة مصر مرة أخرى في منتصف عام 2011، وتدور في دائرة الـ60 في المئة. ومنذ ذلك الحين بدأ هذا الدعم في التبخر تدريجياً. ولكننا عندما أجرينا استطلاع مارس 2013 أي منذ شهر واحد، وسألنا المستجيبين السؤال نفسه: ما هي الفكرة الأولى التي ترد إلى ذهنك عندما تسمع كلمة مصر؟ كانت "الأهرامات" و"أبو الهول" تمثل الغالبية العظمى من الإجابات تماماً، مثلما كان الأمر في الاستطلاعات السابقة، ولكنهما في هذه المرة كانا متبوعين مباشرة بكلمات، مثل "الاضطرابات" و"القلاقل" و"الإخوان المسلمين". وفي يناير 2012، سألنا الأميركيين عما إذا كان الأمل يحدوهم في أن "الربيع العربي" سيجلب تغيراً إيجابياً. أجاب اثنان إلى واحد بالإيجاب. ولكن في فترة العام ونصف العام التي تلت ذلك، تبين أن الأميركيين قد فقدوا الأمل. واليوم نجد أن عدد الأميركيين الذين يقولون إنهم يشعرون بخيبة الأمل بسبب الطريقة التي مضى بها "الربيع العربي" في مصر يفوق ثلاث مرات عدد أولئك الذين يقولون إنهم ما زالوا يأملون في حدوث تغيير إيجابي بقدر ما يمكن إرجاع ذلك للمواقف "الناعمة"، فإن القلق من "الإخوان المسلمين" يمثل عاملاً مهماً من العوامل التي أدت إلى الموقف السلبي الجديد للرأي العام الأميركي تجاه مصر. وهناك تداعيات تترتب على هذا التغير في المواقف: فالعديد من الأميركيين يتساءلون في الوقت الراهن حول ما إذا كان يتعين على بلادهم العمل مع مصر تحت قيادة "الإخوان المسلمين". كما أن العديد منهم يناقشون أيضاً ما إذا كانت الولايات المتحدة يجب أن تستمر في تقديم المعونة العسكرية والمدنية لتلك الدولة تحت قيادة تلك الجماعة أم لا. كما تعرب أغلبية من الأميركيين أيضاً عن قلقها من احتمال قيام "الإخوان المسلمين" بالسيطرة على مجريات الأمور في دول أخرى، ويقولون إنهم يؤيدون الإجراءات التي تتخذها الحكومات العربية الأخرى من أجل "الحد من أنشطة شُعب الإخوان المسلمين العاملة في بلادها" من ضمن التداعيات الفرعية لهذا الاتجاه السلبي. وخيبة الأمل العامة في مسار "الربيع العربي" تؤدي إلى تبني الجمهور الأميركي لمزيج لافت للنظر من المبادئ التي يرون أنها يجب أن توجه مسار السياسة الخارجية الأميركية. فعند سؤال المستطلعة آراؤهم حول ما إذا كان يجب على الولايات المتحدة دعم الحكومات، سواء كانت منتخبة أم لا، وإذا ما كانت تلك الحكومات تعمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة من أجل تعزيز الاستقرار الإقليمي وحماية المصالح الأميركية، أم أن الحكومة الأميركية يجب أن تكتفي بتأييد الحكومات المنتخبة ديمقراطياً فقط حتى إذا كانت تلك الحكومات تتبنى سياسات معادية لها، كانت نسبة من يؤيدون الخيار الأول72 في المئة، في حين لم تزد نسبة من يؤيدون الخيار الثاني على 17 في المئة فقط، وهو فارق كبير للغاية. ومنذ عامين قارنت مصر بمسرح "برودواي" قائلاً إنه ليس من المهم ملاحظة الطريقة التي ستتمخض عنها الأحداث على المسارح الأخرى في العالم العربي، لأن العالم سيحكم على الربيع العربي وفقاً للطريقة التي سيمضي بها في مصر. أما الآن وبعد مضي عامين ونصف العام على انطلاق "الربيع العربي" فإننا نلاحظ أن "اللون قد زال من وروده"، وأن الأميركيين باتوا يشعرون بخيبة الأمل تجاهه، وأن مواقفهم تجاه مصر قد تغيرت نحو الأسوأ، وبات الجمهور يتبنى مقاربة أقل "عاطفية"، وأكثر "واقعية" نحو علاقات الولايات المتحدة بمختلف بلدان "الربيع العربي". جيمس زغبي مدير المعهد العربي الأميركي – واشنطن