تتجه العلاقات بين الهند وسيريلانكا نحو فترة من التدهور، بسبب تصويت الهند ضد سيريلانكا في مجلس حقوق الإنسان الدولي التابع للأمم المتحدة، على قرار مقدم من الولايات المتحدة، يحث سيريلانكا على إجراء تحقيقات موثوقة في الادعاءات المقدمة ضدها بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان خلال الحرب الأهلية التي اندلعت فيها واستمرت على مدى ربع قرن. في أثناء جلسة المجلس المذكور، قال مندوب الهند المنخرطة بشكل وثيق في أعمال إعادة تأهيل المناطق التي شهدت انتهاكات، والتي يسكنها «تاميليون»، إن بلاده تشعر بالقلق نظراً لعدم تحقيق سيريلانكا لـ«تقدم كاف» في مجال تنفيذ التعهدات التي قطعتها على نفسها، بما في ذلك تفويض سلطات سياسية لـ«تاميل سريلانكا» من خلال التنفيذ الكامل للتعديل الثالث عشر، والبناء عليه. لم يكن هناك سوى شك قليل في أن موقف الهند، والقرار الذي اتخذته بالتصويت ضد سيريلانكا قد تما تحت ضغوط داخلية. فالموقف المعتاد لنيودلهي، هو عدم تأييد القرارات الموجهة ضد دولة بعينها (من نوعية القرار الصادر في المجلس المذكور). وكانت هذه هي المرة الثانية التي تجد فيها الحكومة الهندية نفسها مضطرة للتصويت ضد سيريلانكا في مجلس حقوق الإنسان. وفي الحقيقة، أن محنة عرقية «التاميل» في سيريلانكا، قد مثلت موضوعاً صعباً للهند، التي يعيش في جنوبها أعداد كبيرة من السكان «التاميل»، الذين يشعرون بالتعاطف، والارتباط بأشقائهم «تاميل» سيريلانكا. وعلى الرغم من اتخاذ الحكومة الهندية لقرار التصويت ضد سيريلانكا، فإنه ثبت أن الأمر برمته باهظ التكلفة بالنسبة لها. فحزب «درافيدا»، الذي توجد قاعدته الأساسية في جنوب الهند، انسحب بسبب ذلك القرار من الائتلاف الحاكم، متحججاً بمحنة «تاميل» سيريلانكا، وعجز الحكومة المركزية عن اتخاذ الإجراء المناسب من أجل التخفيف منها. وأعلن «كارونا نيدهي» رئيس حزب «درافيدا» وحليف حزب «المؤتمر» الحاكم منذ تسعة أعوام، أن حزبه لا يمكن أن يستمر في دعم الحكومة المركزية، لأنها لم تقم بما يكفي لتوجيه انتقادات لحكومة سيريلانكا، بسبب الفظائع التي ارتكبتها ضد «تاميل» سيريلانكا خلال، وبعد نهاية الحرب الأهلية. وحتى بعد تصويت الحكومة الهندية لصالح قرار مجلس حقوق الإنسان، فإن الاحتجاجات تواصلت ضدها في الولاية الهندية الجنوبية. ففي هذا السياق قام 3000 شخص من «التاميل» بإضراب عن الطعام في «تشينائ» للتعبير عن تضامنهم مع «التاميل» السيريلانكيين، وطالبوا الحكومة الهندية بالدعوة لإجراء تحقيق دولي مستقل في «مذبحة» تاميل سيريلانكا، وفرض عقوبات اقتصادية ضد سيريلانكا. بالنسبة للحكومة الهندية، يظل التعامل مع سيريلانكا، وهي دولة جارة مهمة، والاستجابة لمطالب السكان «التاميل» في الجنوب في الآن ذاته، من المسائل التي تزداد صعوبة على الدوام، وهو ما يرجع للأبعاد السياسية والعاطفية التي تنطوي عليها محنة «تاميل» سيريلانكا وتأثير تلك المحنة على «التاميل» من سكان ولاية «تاميل نادو» الجنوبية الذين يبلغ تعدادهم 60 مليون نسمة. ويشار في هذا السياق أيضاً إلى أن الأحزاب الإقليمية الأخرى في تلك الولاية قد عملت في الماضي على الضغط على الحكومة الفيدرالية لاتخاذ موقف صارم ضد حكومة سيريلانكا، من خلال مطالبتها بإجراء تحقيقات حول الاتهامات الموجهة إليها بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد متمردي نمور «التاميل» أثناء الحرب الأهلية. ويرجع الفضل في إنهاء تلك الحرب التي احتدمت على مدى 25 عاماً -عام - 2012 لرئيس سيريلانكا الحالي «ماهيندا راجا باكسا»، الذي لم ينجح في قمع تمرد نمور «التاميل»، إلا بفضل الدعم الاستخباراتي والدبلوماسي الذي حصل عليه من الهند، والتي ساعدت أيضاً في قطع طرق الإمداد الموصلة للمتمردين في جزيرة «جافنا». في الداخل، وجدت الحكومة الهندية نفسها في وضع حرج وهي تحاول التوفيق بين تخفيف هموم الأحزاب التاميلية، والمحافظة على علاقاتها مع سيريلانكا، وخصوصاً بعد تزايد الوجود الصيني في تلك الجزيرة. وقد دأب الزعماء الهنود منذ فترة طويلة على مطالبة نظرائهم السيريلانكيين باستغلال الفرصة، التي أتاحها لهم انتهاء الحرب الأهلية الدامية، والعمل من أجل تحقيق مصالحة وطنية حقيقية. وترى الهند أن الرئيس السيريلانكي قد أخفق في المضي قدماً في تنفيذ أجندة إدماجية لـ«تاميل سيريلانكا»، وتفويض بعض السلطات لهم بحيث يكون لهم رأي في الأمور المؤثرة على حياتهم. في الهند، تظل العلاقة مع سيريلانكا مسألة ذات حساسية بالغة، ففي الوقت الذي تجد الأحزاب «التاميلية» نفسها مدفوعة بدوافع انتخابية عند تعاملها مع هذه المسألة، تجد الأحزاب الأخرى (غير التاميلية)، فيها فرصة لتشديد الضغط على الحكومة المركزية. فحزب «بهاراتيا جاناتا» الهندوسي المتطرف- حزب المعارضة الرئيسي- على سبيل المثال، يمارس في الوقت الراهن ضغطاً على الحكومة المركزية لحثها على عدم المشاركة في اجتماع رؤساء حكومات الكومنولث المقرر عقده في كولومبو في نوفمبر القادم. والخطر الذي يكتنف المسألة برمتها هنا، هو أن السياسة الخارجية للهند باتت تتعرض لضغط متزايد جراء التطورات الداخلية، التي يمكن أن تضر بالمصالح القومية للبلاد في المدى الطويل. من المهم أن تتم صياغة السياسة الخارجية للهند بناء على مصالحها القومية، بدلا من صياغتها بناء على الضغوط الداخلية. ومع ارتفاع نبرة الخطاب المعادي لسيريلانكا في الوقت الراهن، تزداد كولومبو ميلًا باستمرار تجاه بكين. ويشار في هذا السياق إلى أن الصين قد ساعدت سيريلانكا في بناء مطار، واستثمرت ملايين الدولارات في بناء ثاني أكبر ميناء بحري في البلاد، وهو ميناء «هامبانتوتا»، وبناء ناطحة سحاب يبلغ ارتفاعها 350 متراً في العاصمة كولومبو، بالإضافة إلى إنشاء طرق رئيسية بين المدن، وعدد من المشروعات الأخرى المتنوعة. وفي ظل هذا المناخ، من المهم بالنسبة لحكومة الهند أن تتخذ قراراتها بناء على الصالح العام للبلاد بدلاً من اتخاذها بناء على محددات إقليمية داخلية. د.ذِكْرُ الرحمن مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي