تعد مارجريت تاتشر من أبرز الساسة البريطانيين في النصف الأخير من القرن العشرين، حيث لم يتسن لأي رئيس وزراء بريطاني آخر أن يغير وجه الأمة البريطانية ومكانتها في العالم على النحو الذي أحدثته تاتشر. وسيرتها المعنونة «مارجريت تاتشر... سيرة ذاتية»، والتي نعرضها هنا، صدرت في مجلد واحد يوم 9 إبريل الحالي بمناسبة وفاتها. ويضم المجلد كتابين لها صدرا في التسعينيات هما: «سنوات داوننج ستريت»، و«الطريق إلى السلطة»، وقد قدمت فيهما وصفاً دقيقاً وأميناً لقصة حياتها. وهي قصة حياة امرأة استثنائية بكافة المقاييس، وسياسية محنكة، ورئيسة وزراء تاريخية. فقد ولدت في مدينة جرانثام عام 1925 لوالد يعمل بقالاً تمكن من الترقي في المجتمع حتى تولى منصب العمودية في المدينة. وتقول مارجريت هيلاروبرتس تاتشر، وهو اسمها الكامل، إنها تشربت من والدها فضائل الاعتماد على النفس والاقتصاد، وقيم احترام الجيران والمجتمع. وتفوقت الطفلة مارجريت في دراستها بمدرسة جرانثام الابتدائية العمومية، ولم تلتحق بواحدة من المدارس البريطانية الخاصة الشهيرة، لكنها استطاعت بفضل تفوقها الدراسي الالتحاق بجامعة أكسفورد العريقة، حيث تخصصت في دراسة الكيمياء. وخلال الدراسة الجامعية بدا اهتمامها بالسياسة يتبلور تدريجياً وانضمت لحزب المحافظين. وفي عام 1951 تزوجت من دينيس تاتشر، ضابط المدفعية، وأنجبت منه التوأمين، مارك وكارول. ثم فكرت في احتراف العمل السياسي، وتقدمت لخوض الانتخابات البرلمانية عن حزب المحافظين، ورغم أنها فشلت مرتين، فقد نجحت في الثالثة، وأصبحت عضواً في مجلس العموم. وفي مجلس العموم أثبتت تاتشر نشاطها وقدرتها وتمكنت من صقل خبرتها السياسية والاقتصادية، واتسمت بخطبها الفصيحة وقدرتها على الإلقاء، ما أكسبها شهرة كبيرة وسط زملائها في الكتلة البرلمانية للحزب، ودعا رئيس الوزراء «إدوارد هيث» لاختيارها وزيرةً للتعليم عام 1970. وفي الوزارة ركزت اهتمامها على المراحل الأولية التي كانت ترى أنها تضع الأساس السليم للتعليم في المراحل اللاحقة، كما اهتمت بشؤون المعلمين وعملت على تحسين أوضاعهم. ومر حزب المحافظين بفترة أفول فشل فيها «هيث» في الانتخابات ثلاث مرات متوالية، وبدأ الحزب يعاني تدهوراً في أدائه، ما دفعها لترشيح نفسها ضده على رئاسة الحزب، فحققت انتصاراً حاسماً أهلها لخوض الانتخابات العامة لعام 1979 والفوز فيها لتكون أول رئيسة وزراء في تاريخ بريطانيا. وبعد أن تولت تاتشر الوزارة وجدت نفسها أمام تحديات ضخمة، حيث كان الاقتصاد يعاني من التضخم، ومعدلات النمو المتدنية، والارتفاع الكبير في أعداد العاطلين. ولم يكن أمامها سوى العمل على رسم خطة إصلاح طويلة الأمد تعالج اختلالات الاقتصاد وتهيئه للمنافسة، وهو ما نجحت فيه، حيث عاد الاقتصاد البريطاني لسابق قوته وقدرته التنافسية، ما أدى لرفع دخول المواطنين البريطانيين. وعندما اجتاحت الأرجنتين جزر الفوكلاند في جنوب الأطلسي لاستردادها من السيطرة البريطانية، لم تتردد تاتشر في إرسال قواتها البحرية والجوية لتلحق بالقوات الأرجنتينية خسارة فادحة، وتطردها من الجزيرة في يونيو 1982، وكان انتصار القوات البريطانية سبباً ساعد على انتخاب تاتشر لولاية ثانية عام 1983، حيث واصل الاقتصاد البريطاني أداءه القوي، ما أسهم في إعادة انتخابها لولاية ثالثة عام 1987. وتميزت السياسة الخارجية لتاتشر بالقوة والوضوح، وقد أقامت علاقة وثيقة مع ريجان فشنّا معاً حملات شرسة ضد الاتحاد السوفييتي الذي أطلق أجهزة إعلامه عليها لقب «المرأة الحديدية». ورغم الإنجازات الاقتصادية والعسكرية التي حققتها تاتشر، فإن سياساتها كانت موضع انتقاد شديد من الساسة المحافظين، باعتبارها من أبرز من دعوا لـ«الليبرالية الجديدة» القائمة على تقليص دور الدولة، وخفض الإنفاق الاجتماعي وحفز النمو للشركات الكبرى. لكنها قابلت الانتقادات بعناد شديد وتصميم على صحة السياسات التي تتبناها، والتي أطلق عليها «السياسات التاتشرية» القائمة على تخصيص كل شيء تقريباً وخفض الضرائب والنفقات العامة، والاصطدام مع نقابات العمال القوية، والدخول في معارك مع سياسيين محافظين وبعض وزرائها، ما أدى إلى استقالة عدد كبير منهم، وهو ما دفعها أخيراً للاستقالة من منصبها عام 1990، بعد أن أيقنت بعدم قدرتها على الاحتفاظ برئاسة الحزب، ليخلفها جون ميجور ولتظل في مجلس العموم حتى عام 1992 حين مُنحت لقب البارونة، ما أهلها لعضوية مجلس اللوردات لاحقاً. سعيد كامل -------- الكتاب: مارجريت تاتشر... سيرة ذاتية المؤلف: مارجريت تاتشر الناشر: هاربر بيرينيال تاريخ النشر: 9 إبريل 2013