لم يشكل فشل أحدث جولة من المفاوضات بين إيران والأعضاء الكبار في المجتمع الدولي في تحقيق تقدم بشأن وضع حد لبرنامج إيران النووي مفاجأة كبيرة. غير أنه إذا نظرنا إلى هذا الفشل، إلى جانب التهديدات الكورية الشمالية المتواصلة باستعمال القوة ضد أعدائها، بما في ذلك الأسلحة النووية، نجد أن هذه التطورات الجديدة تطرح تهديدات حقيقية بالنسبة لنظام حظر الانتشار النووي في العالم. الرواية الأكثر تكراراً في الشرق الأوسط هي أنه في حال أقدمت إيران بالفعل على تطوير سلاح نووي، فإن بعض دول المنطقة، خاصة تركيا ومصر والسعودية، قد تحذو حذوها، لاسيما أنها تعلم أن إسرائيل تملك برنامجاً نووياً كبيراً. ويستطيع المحللون أن يجادلوا بشأن ما إن كانت هذه البلدان الثلاثة تستطيع صنع القنبلة أو الوصول إليها في فترة زمنية قصيرة. لكن الواقع هو أن الحال سيكون أكثر خطورة وأن مبيعات أسلحة كبيرة أخرى، مثل الصواريخ والغواصات، ستستمر. أما في حالة شرق آسيا، فإن الخوف هو من أن يزيد الفشل في كبح جماح كوريا الشمالية وزعيمها الجديد الشاب «كيم جونج أون» من احتمالات أن تعمل كوريا الجنوبية واليابان، وربما تايوان أيضاً، على تكييف قدراتها النووية المدنية بسرعة وتحويلها لإنتاج مواد للاستعمال العسكري. والجدير بالذكر في هذا السياق أن كوريا الجنوبية وتايوان كانتا تمتلكان خلال عقد الستينيات برنامجين فتيين للأسلحة النووية لم يتم إغلاقهما إلا بعد ضغوط شديدة وتطمينات قوية من الولايات المتحدة بالدفاع عنهما وحمايتهما. أما اليابان، فقد أعلنت بشكل رسمي وفي أكثر من مناسبة أنها لا تعتزم تطوير أسلحة نووية أبداً، لكنها عملت في الوقت نفسه على بناء واحد من أكبر المجمعات الهندسية النووية في العالم. وقبل وقوع كارثة فوكوشيما في 2011، والتي وضعت تطور اليابان مستقبلاً في مجال الطاقة النووية من أجل توليد الكهرباء، موضع تساؤل. وكانت طوكيو تعتزم إنتاج قضبان البلوتونيوم من أجل محطاتها للطاقة النووية، غير أنها مازالت تملك هذه القدرة وتستطيع، إذا اختارت ذلك، أن تنهي الحظر الذي تفرضه على نفسها لإنتاج الأسلحة النووية، وتتحول بسرعة إلى قوة نووية قائمة بذاتها. والواقع أن ترسانة اليابان من الأسلحة التقليدية آخذة في التوسع؛ كما أنها تملك سلسلة من الأسلحة المتطورة للغاية التي أخذت تدخل الخدمة، جزئياً من أجل الرد على ما تعتبره تحدياً عسكرياً كبيراً من الصين. غير أن فشل الولايات المتحدة في احتواء قدرات كوريا الشمالية النووية المتزايدة، يمكن أن يكون عاملاً حاسماً يسهم في تغيير أسلوب تفكير اليابان الاستراتيجي. وفيما عدا تعزيز وجودها العسكري في شرق آسيا ونشر أنظمة مضادة للصواريخ، فإن الولايات المتحدة لا تملك أي تأثير على كوريا الشمالية. وبالمقابل، فإن البلد الوحيد الذي يملك ذلك التأثير هو الصين، التي لولا دعمها الاقتصادي، لانهارت كوريا الشمالية. لكن ذلك بالطبع كان سيمثل كارثة بالنسبة للصين التي لن تواجه فقط ملايين الكوريين الشماليين المتضورين جوعاً، والذين سيحاولون عبور حدودها، وإنما سيتعين عليها أيضاً تحمل نهاية النظام، وإعادة توحيد شمال شبه الجزيرة الكورية مع جنوبها في نهاية المطاف، وظهور دولة قوية وموحدة موالية للولايات المتحدة على حدودها. ومما لا شك فيه أنه من مصلحة الصين كبح سلوك جارها المبالغ فيه دون الذهاب إلى حد زعزعة استقرار النظام والتسبب في وفاته ربما. لكن هذه هي المشكلة في الواقع: ذلك أن الصين قد لا تعرف «نقطة الانكسار» بالنسبة للزعيم الكوري الشمالي الجديد الشاب. ومن الواضح أن «أون» يسعى إلى تأكيد سلطته لدى جنرالاته؛ لذلك فإنه مستمر في التهديد والوعيد. ويعتقد معظم المراقبين أن هدف هذا التهديد والوعيد هو مجرد الخداع، لكن معظمهم يعترفون أيضاً بأن أخطاء خطيرة يمكن أن تُرتكب. وعلاوة على انفجار عسكري محتمل في شبه الجزيرة الكورية والمواجهة المحتملة أيضاً مع إيران، هناك تطورات نووية أخرى مثيرة للقلق في آسيا؛ حيث تعمل الهند وباكستان حالياً على زيادة إنتاج الرؤوس الحربية النووية لديهما، وتسيران الآن على الطريق الخطرة نحو نشر أسلحة نووية تكتيكية. وبالنظر إلى كل المشاكل الأخرى في جنوب آسيا، فإن الجانب النووي لم يؤد إلى نقاش كبير حول هذا الموضوع خلال السنوات الأخيرة. لكن بالنظر إلى الأزمات التي لم يتم حلها بين الهند وباكستان، واحتمالات تدهور الوضع الأمني في المنطقة عندما ينسحب الجزء الأكبر من القوات الأميركية من أفغانستان العام المقبل، فهناك ما يبعث على القلق بشأن استقرار باكستان في المستقبل والتأثير المتزايد لـ«طالبان» باكستان. وباختصار، يمكن القول إنه إذا كان أوباما وزعماء غربيون آخرون كبار مازالوا يتحدثون حول تخفيض الأسلحة النووية في العالم، فإن الواقع يشير إلى أن العالم قد يكون على شفا جولة جديدة من الانتشار النووي ستكون أكثر خطورة من الماضي، وذلك بسبب احتمال أن يجد لاعبون من غير الدول في لحظة ما طريقة للحصول على الأسلحة واستعمالها. فبالنسبة لهذه المجموعات، التي أظهرت لامبالاة تجاه الحياة على هذا الكوكب من خلال انخراطها في هجمات انتحارية يومية، تمثل المهمات الانتحارية بواسطة القنابل النووية فرصة خاصة. وهذا ما يفسر الطابع الملح والاستعجالي لحل الأزمتين الإيرانية والكورية قبل أن يزداد الوضع سوءاً!