في تصريحات صحفية لمسؤول بوزارة الداخلية ذكر أن 1041 مواطناً لقوا حتفهم خلال السنوات الخمس الماضية نتيجة الحوادث المرورية، عازياً أسباب تلك الحوادث إلى وجود «عوامل مشتركة أسهمت في وقوعها» كالسرعة والتهور والتجاوز الخاطئ... إلخ. وأزعم أن هناك عاملاً مشتركاً أو يتكرر على نحو لافت في تلك الحوادث لكن لا يتم التطرق إليه، وهو نوعية السيارات التي تقع فيها الحوادث المأساوية، إذ الشائع بين الناس عن هياكل سيارات معينة، أنها ليست سوى كرتون أو ورق مقوّى، وهي ليست كذلك فعلياً، لكنها إشارة إلى عدم متانة هياكل تلك السيارات وضعف وسائل الأمان فيها. وفي الآونة الأخيرة نشرت الصحف صوراً لسيارات وقعت فيها حوادث قاتلة، وعند التدقيق في تلك الصور يمكن ملاحظة أنها في الغالب من نوع واحد أو من أنواع مختلفة لكنها مصنوعة في بلد واحد أو إقليم واحد يضم بلداناً لا تراعي مسألة متانة الهياكل ووسائل الأمان مثلما تراعي وجود الكثير من الأزرار والفصوص في داخل سياراتها. وربما خطر ببال القراء أنواعاً معينة من سيارات «الكرتون»، ومع هذا، تظل هذه مجرد أقاويل، ولا يمكن أن تصل لمصاف الحقيقة إلا من خلال عملية النسبة والتناسب. إذ يمكن المحاججة بأن تلك السيارات تملأ الشوارع نظراً لتهافت الناس على شرائها لأنها تلبي رغباتهم في الرفاهية وقلة الأعطال والاحتفاظ بسعرها (رغم أنها لا تلبي رغبتهم في البقاء على قيد الحياة)، ومن الطبيعي أن تكون طرفاً في الكثير من الحوادث، المميتة وغير المميتة. وهذا الكلام يبقى صحيحاً ما لم نحتكم إلى عملية النسبة والتناسب في عدد الحوادث التي وقعت وعدد الوفيات والإصابات التي نجمت عنها، إذ أن متانة السيارة لا علاقة لها بوقوع الحادث من عدمه، وسيبقى ما هو مهم هو معرفة عدد الوفيات والإصابات التي تقع في أنواع السيارات مقسوماً على عدد الحوادث المرورية التي تكون طرفاً فيها. فإذا افترضنا وقوع 100 حادث مروري، وقع نصفها لسيارات الكرتون، والنصف الآخر وقع لسيارات من أنواع مختلفة، وأظهرت الإحصائيات أن أغلب من توفوا أو تعرضوا لإصابات بليغة كانوا يستقلون سيارات الكرتون، فإن الأرقام هي التي ستتكلم، وهي التي ستقول إنه كلما انخفضت نسبة اقتناء سيارات الكرتون التي تقع فيها الحوادث المميتة، لكننا أمام حالات وفيات وإصابات بليغة أقل. ولتحري الدقة والوصول إلى الحقيقة الكاملة، يفترض أن تقيّم الحوادث المميتة، فسائق يفقد حياته في سيارة كان يقودها بسرعة 240 كلم/ساعة واصطدم بتلك السرعة بشاحنة متوقفة، لا يتساوى مع سائق فقد حياته رغم أنه كان يقود بسرعة 120 كلم/ساعة واستعمل المكابح لمسافة مئة متر ثم اصطدم بسيارة تسير بالسرعة نفسها. ولأن مسألة اقتناء السيارات مسألة شخصية تعود للمواصفات التي يرغب بها الفرد نفسه، فإن دور الجهات التي تملك مثل هذه الأرقام هو التوعية والتثقيف، إذ لا يكفي أن تستمر هذه الجهات طوال عقود تتحدث عن كل العوامل المشتركة (البشرية) التي تؤدي إلى الحوادث القاتلة ولا تشير ولو لمرة واحدة لأنواع المقابر المتحركة. كما أن هذا الدور يقع على إدارات حماية المستهلك في الجهات المعنية، وكذلك جمعية حماية المستهلك، خصوصاً أن حياة المستهلك أهم بكثير من توجيهه لشراء كرتون حليب من نوع معين أرخص من الأنواع الأخرى بنصف درهم، والتهديد بالضرب بيد من حديد على أيدي أصحاب المخابز إن باعوا خبزاً أصغر من الحجم المعتاد.