عندما ذكرنا في مقالة الأسبوع الماضي أن الضرائب على الدخل وعائدات الاستثمارات في أوروبا والولايات المتحدة قد تصل إلى 80 في المئة من الأرباح السنوية اعتبر ذلك نوعاً من المبالغة، إلا أن الإجابة جاءت سريعاً من الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند قبل أيام قليلة، إذ أشار إلى أن الضرائب على الدخل يمكن أن تصل إلى 70 في المئة للمبالغ التي تتجاوز مليون يورو، مضيفاً أن هناك تشريعاً سيعرض على البرلمان لإقراره في هذا الشأن. لقد بني التصور السابق الخاص بالتوقعات الضريبية على العديد من المؤشرات، وبالأخص إجراءات الاتحاد الأوروبي الخاصة بقبرص، حيث فتح ذلك المجال أمام كافة الاحتمالات لإنقاذ منطقة اليورو من الانهيار، إذ ستكون لهذه الإجراءات عواقب وخيمة على أكثر من صعيد، مما يتطلب إعادة التقييمات الخاصة بالاستثمار. وعلى رغم بعض المؤشرات الإيجابية التي منعت الانهيار في منطقة اليورو، فإن رؤوس الأموال والمستثمرين بدأوا في البحث عن بدائل، حيث يعتبر المليونير والمخرج والممثل الفرنسي «جيرارد ديبارديو» الذي هدد بالتخلي عن جنسيته الفرنسية ورحّل أمواله إلى الخارج احتجاجاً على نظام الضرائب الجديد الذي اعتبره «ديبارديو» ضريبة تعسفية أقرب مثال على ذلك، علماً بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منحه الجنسية الروسية، مما يعني أن هروب رؤوس الأموال ستكون له نتائج سلبية كبيرة على النمو وتوفير الوظائف. ولذلك تبين استطلاعات الرأي أن 68 في المئة من الفرنسيين غير مقتنعين بسياسات أولاند الاقتصادية، كما أن شعبيته هبطت إلى أدنى مستوياتها منذ انتخابه العام الماضي، في الوقت الذي تعصف فيه بحكومته فضائح الفساد والتهرب الضريبي، كما حدث مع وزير المالية السابق. وتبقى بريطانيا العظمى التي تعمل من خارج منطقة اليورو، وتطرح نفسها بديلاً للأسواق الأوروبية، على اعتبار أن الاستقطاعات لا تطال حتى الآن المستثمرين وقطاع الأعمال، وإنما اتجهت نحو الاستقطاعات العامة لدعم الميزانية والوضع المالي للدولة بشكل عام، إذ اتجهت حكومة لمحافظين إلى مجموعة من تخفيضات الإنفاق على الرعاية الاجتماعية والمتوقع أن تسري الشهر الجاري، في حين فرضت ضرائب على بعض خدمات الرعاية الاجتماعية. والحقيقة أنه من غير المعروف إلى أي مدى ستتمكن الحكومة البريطانية من تجنب فرض ضرائب أكبر على عائدات الاستثمارات، فالمؤشرات الخاصة بالاقتصاد البريطاني لا تسر، ومنذ انتحاب حكومة كاميرون في عام 2010 وتطبيق إجراءاته الاقتصادية واجه الاقتصاد البريطاني جولتين من الركود، في حين لا زال النمو ضعيفاً وتشير التوقعات إلى إمكانية تحقيق نسبة نمو متواضعة تبلغ 0,6 في المئة فقط في العام الجاري 2013. والجديد في التطورات الجارية والإجراءات الخاصة بالضرائب العالية أنها تتم في ظل اتحادات وتكتلات اقتصادية قوية وضمن مجموعة كبيرة من الدول، كما هو الحال في منطقة اليورو، وليس على مستوى كل دولة على حدة كما هو في السابق، ومن هنا تأتي قوة وتأثيرات الإجراءات الضريبية المستحدثة. والحال أن الأمر لن يتوقف على مسألة فرض الضرائب على الدخل المرتفع والاستحواذ غير المباشر على الأصول في ظل التكتلات الاقتصادية الدولية، وإنما سيشمل ذلك مجالات أخرى عديدة، بما في ذلك تعزيز القدرات التنافسية لأعضاء التكتل وتحقيق المكاسب الاقتصادية والتجارية من خلال التفاوض الجماعي وزيادة التبادل التجاري البيني وتكامل الكتل والمجموعات الاقتصادية. ويعني ذلك باختصار شديد أن عصر العمل المنفرد لكل دولة قد مضى، إذ لا يمكن مواجهة الإجراءات الجديدة والمنافسة الشرسة في العلاقات الدولية دون عمل جماعي وضمن مجموعة اقتصادية تتمتع بالقوة والبعد الاستراتيجي ومقومات النجاح اللازمة للمنافسة في عصر العولمة والتحديات المستجدة.