في تحدٍّ صارخ لهدنة السلام بين الكوريتين التي تم ترتيبها بعد الحرب في شبه الجزيرة الكورية، قامت كوريا الشمالية بمنع العمال الكوريين الجنوبيين من الدخول إلى مجمّع «كيسونج» الصناعي المشترك بين البلدين، ما حملَ كوريا الجنوبية على عدم استبعاد شن عمل عسكري لحماية رعاياها. وقد شهد الأسبوعان الماضيان إعلان حرب من جانب كوريا الشمالية ضد «شقيقتها» الجنوبية. نحن لا نعلم لماذا تلجأ كوريا الشمالية إلى توتير العالم بإطلاق تهديدات -في هذا الوقت- الذي تسعى فيه دول العالم إلى ضمان السلام والأمن الدوليين، بعد أن ذاقت الإنسانية مرارات الحروب على مر التاريخ وكان آخرها الحرب بين الكوريتين التي ورطت عدة أطراف بعيدة. فإعلان بيونج يانج أنها أصبحت في حالة حرب مع سيئول، متجاهلة اتفاق الهدنة الموقع برعاية دولية بين الجانبين بعد حرب استمرت حوالي 3 سنوات عام 1950، لا يعني أن شرارات الحرب لن تصل إلى دول أخرى! وخصوصاً إذا ما تم استخدام السلاح النووي في تلك الحرب. ولا نعلم إذا كانت بيونج يانج قد اشتاقت لثقافة الغاب وأصبحت تتصرف في محيطها وكأنها تعيش وحدها على هذا الكوكب، متجاهلة حق الشعوب الأخرى في العيش الآمن، متجاهلة قوة رد الفعل التي يمكن أن تصدر عن القوى الكبرى التي لا تقرّ اللعب بالنار وتعريض العالم لآلام حروب جديدة. ومتجاهلة أيضاً أعداد الذين سقطوا في الحرب الأخيرة بين البلدين! وفي يوم 4 أبريل تم تبليغ الجيش الكوري الشمالي المصادقة النهائية على خطط عسكرية ضد الولايات المتحدة قد تتضمن أسلحة نووية. وقد جاءت التهديدات الجديدة على إثر مناورات مشتركة قامت بها قوات مشتركة كورية جنوبية مع قوات أميركية، واعتبرت سيئول هذه التهديدات استفزازية، على رغم أن بيونج يانج حاولت «شرعنة» إجراءاتها الأخيرة بتبني البرلمان قانوناً يضفي على البلاد الصفة الرسمية لامتلاك أسلحة نووية! وقد وُصف القانون بأنه «خط استراتيجي جديد» يضمن التقدم الاقتصادي والعسكري. ولم تخف الولايات المتحدة امتعاضها من الإجراءات الكورية الشمالية، إلا أنها قللت من قدرات بيونج يانج على شن حرب واسعة النطاق، لعدم امتلاكها تقنيات نووية تمكنها من تحميل صواريخ برؤوس نووية! ولكن أميركا -حسب صحيفة واشنطن بوست- لم تستبعد حدوث أخطاء أو سوء حسابات قد تؤدي إلى صراع مسلح. وقد قامت قاذفتان أميركيتان من طراز «ستيلث» بطلعتين فوق شبه الجزيرة الكورية الأسبوع قبل الماضي، الأمر الذي حدا بكوريا الشمالية إلى وضع وحداتها الصاروخية في حالة تأهب ضد قواعد أميركية في كوريا الجنوبية والمحيط الهادئ. كما عززت واشنطن أيضاً دفاعاتها الصاروخية في المحيط الهادئ بعد التهديدات الكورية الأخيرة. وقد دعت روسيا الأطراف المعنية في أزمة شبه الجزيرة الكورية إلى «ضبط النفس والتحلي بالمسؤولية»؛ بعد إعلان كوريا الشمالية أنها في حالة حرب مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. ولكن مسؤول ملف كوريا الجنوبية في وزارة الخارجية الروسية غريغوري لوغيفينوف أشار إلى موقف بلاده الواضح عندما قال لوكالة «أنترفاكس» الروسية: «لا يمكننا البقاء غير منخرطين مع أوضاع تثور فيها التوترات بالقرب من حدودنا الشرقية». وتلك إشارة واضحة إلى أن روسيا لن تتخلى عن حليفتها كوريا الشمالية. معلوم أن التوتر قد اشتد بين الكوريتين منذ فبراير الماضي بعد أن أجرت كوريا الشمالية تجربة نووية ثالثة. كما قامت بيونج يانج بإلغاء اتفاق الهدنة الذي وضع مع نهاية الحرب الكورية عام 1953. ومع علاقات الصداقة بين الصين وكوريا الشمالية، إلا أن بياناً صينياً قد أشار إلى ضرورة بذل جهود مشتركة لخفض حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية. ذلك أن كوريا الشمالية تزود الصين بموارد الطاقة الضرورية لإدارة عجلة الاقتصاد الصيني. كما أن الصين -التي تشغل معقداً دائماً في مجلس الأمن الدولي- صوتت مع قرار ينص على تعزيز العقوبات على كوريا الشمالية، بعد إجراء تجربتها النووية الثالثة في فبراير الماضي. وكانت الحرب الكورية قد اندلعت في الفترة بين عامي 1950و1953 عندما كان شبه الجزيرة مقسماً إلى جزأين: (شمالي) يسيطر عليه الاتحاد السوفييتي، و(جنوبي) خاضع للأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة، حتى توصل الأطراف إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 27/7/1953. وقبل ذلك في فبراير عام 1945 نادى جوزيف ستالين بإقامة مناطق عازلة في كل من آسيا وأوروبا ووعد بدخول الحرب ضد اليابان بعد أسبوعين أو ثلاثة من استسلام ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، مقابل إعطاء الأولوية لروسيا في الصين. وفي أغسطس عام 1945 أعلن الاتحاد السوفييتي الحرب على الإمبراطورية اليابانية، وهاجم الجزء الشمالي من شبه الجزيرة الكورية. وتوقفت قواته عند خط عرض 38 حسب اتفاق مع الولايات المتحدة التي كانت قواتها ترابط في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة. وشارك في الحرب الكورية 260 ألف جندي أميركي و35 ألف جندي من الأمم المتحدة، و340 ألف جندي من كوريا الجنوبية والصين، أما كوريا الشمالية فيقدر العدد ب865 ألف. كما لعب سلاح الطيران دوراً مهماً وحاسماً في المعارك، حيث شاركت الصين بـ140 طائرة، نصفها من نوع «ميج» السوفييتية. وبلغ عدد خسائر الحرب حوالي 4 ملايين شخص ما بين قتيل ومفقود وجريح. وشكل المدنيون نصف عدد الضحايا. وكانت خسائر الولايات المتحدة 157530، مات منهم 23300 في ساحات المعارك. فيما كانت خسائر الجيش الأممي -المساند للولايات المتحدة- 16532، منهم 3094 قتيلاً. أما خسائر الصين فقد وصلت إلى 900 ألف ضحية، قتل منهم 200 ألف شخص. وخرج الجميع من الحرب تحت عنوان «لا غالب ولا مغلوب». وأعلن وقف إطلاق النار باتفاق الأمم المتحدة والصين في 27/7/1953 في قرية على خط العرض 38 الفاصل بين الكوريتين، ولكن لم يحسم نزاع الحدود بين الدولتين حتى اليوم. فما الذي ستجنيه بيونج يانج من اللعب بالكرة النووية؟ وهل الذاكرة الكورية الشمالية، بل وذاكرة العالم، نسيت أعداد الضحايا الذين سقطوا في الحرب الشرسة التي قيل «إن الولايات المتحدة استخدمت فيها أسلحة بيولوجية، كما تعرّض الجنود الأميركيون وحلفاؤهم لأنواع متعددة من التعذيب الوحشي على أيدي الشيوعيين. إن الوقت حتماً غير مناسب لحرب جديدة في عالم يحاول أن يتعافى من ويلات الحروب التي يكون الإنسان البريء فيها هو أول الضحايا! فهل ستسمع بيونج يانج وسيئول صوت العقل؟!