من غير المرجح أن يناقش كيري، عندما يحل ضيفاً على إسرائيل والضفة الغربية، الأمور التي تحتاج فعلاً إلى نقاش والمتمثلة في ماذا سيفعل الفلسطينيون والإسرائيليون ما أن يموت حل الدولتين؟ وبالطبع لا أحد يريد الحديث عن هذا السيناريو السوداوي، ناهيك عن الاعتراف بانتهاء عملية السلام، ذلك أن هذا الاعتراف سيكون له تداعيات مزلزلة ليست فقط بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين، بل حتى بالنسبة لواشنطن وعموم الشرق الأوسط، لذا يستمر التظاهر بإمكانية إحياء مباحثات السلام، فخلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط لم يدخر أوباما جهداً في الحديث عن ضرورة حل الدولتين والدفاع عنه، لاسيما بالنظر للواقع الديموغرافي الذي يعطي الأغلبية السكانية للفلسطينيين إذا ما أصرت إسرائيل على ابتلاع الضفة الغربية، الأمر الذي سيغلق الباب نهائياً على حل الدولتين. ورغم إصرار الأطراف في المنطقة والولايات المتحدة على استمرار الأمل في تسوية النزاع بأقل خسارة والحفاظ على شعلة حل الدولتين متوقدة، فالواقع يشير إلى استنفاد الحل بسرعة فائقة. والسبب جزئياً يعود للوضع في المنطقة بعد «الربيع العربي» ووصول الإسلاميين للسلطة، ثم عدم الاستقرار الذي تتخبط فيه دول «الربيع العربي»، وهو ما يقلق الإسرائيليين من احتمال تكرار الأمر نفسه في حال قيام دولة مستقلة إلى جانبهم حتى لو كانت منزوعة السلاح. يضاف إلى ذلك أن آفاق السلام باتت واهية بسبب ضعف السلطة الفلسطينية وانقسام الفلسطينيين بين غزة ورام الله. وفيما يقول البعض إن المخاض الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط يستدعي بعض الانتظار، ما يفسر عودة الجهود الدبلوماسية الأميركية وسعيها لتعويم موضوع المباحثات مرة أخرى انتظاراً لما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة، فإنه لابد من الاعتراف بنفاد الوقت وقرب انغلاق الفرصة أمام حل الدولتين، لاسيما في ظل توسع المستوطنات إلى درجة لم تعد معها إمكانية لإقامة دولة قابلة للحياة. وكلنا نعلم مواقف أحد أهم شركاء الحكومة الائتلافية التي شكلها نتنياهو، وهو حزب «البيت اليهودي» برئاسة «نفتالي بنيت» الذي يعارض الدولة الفلسطينية ويطالب بضم الضفة إلى حدود إسرائيل. وحتى الذين يعتقدون أن موضوع المستوطنات سيتم حله في إطار اتفاق للسلام يحصل فيه الفلسطينيون على أرض متساوية مقابل ضم إسرائيل للكتل الاستيطانية الكبرى، يغالط نفسه، فالمستوطنات تخترق الضفة الغربية وتفصلها عن الأحياء العربية في القدس الشرقية، كما تقسم المناطق التي يسيطر عليها الفلسطينيون إلى كانتونات منفصلة ومعزولة، ما يقضي نهائياً على آفاق الدولة الفلسطينية. وفيما يرفض نتنياهو أي إشارة إلى حدود عام 1967 التي كانت إلى فترة قريبة من ثوابت الحل، تستمر المستوطنات في الزحف على الضفة والاقتراب من المدن الفلسطينية لتتحول إلى ما مدن تصعب إزالتها. ومع أنه لا أحد يريد التفكير في اليوم التالي على موت حل الدولتين، فمن غير المجدي الاستمرار في التظاهر بإمكانية إحياء المفاوضات دون تحقيق الأمور الآتية: تجميد المستوطنات، والإقرار بحدود عام 1967، واعتراف عربي كامل بإسرائيل مع تقديم ضمانات لأمنها. ترودي روبين كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»