لايخفى أن الدولة حققت إنجازاً هاماً في تشجيع الجمعيات التعاونية، فالاهتمام بهذا القطاع كان ملاحظاً منذ منتصف ثمانينيات القرن المنصرم، وفي غضون السنوات الماضية كان النجاح والأرباح التي تحققها هذه الجمعيات مذهلًا ومثيراً للإعجاب. وقد يحدث أن تكون هناك أخطاء، لكن في المقابل أيضاً ثمة محاولات لصقل أداء الجمعيات، كونها تخدم شرائح كبرى من المجتمع بمختلف فئاته، لكن الملفت أنها تهتم برضا المستهلك وتُولي عناية للأسعار بحيث تتناسب مع ذوي الدخل المحدود، لاسيما أن عدداً من أصحاب الأسهم يعدون ضمن المستفيدين من منحة الدولة في مجال الضمان الاجتماعي. لكن هل سيتغير دور هذه الجمعيات لتصبح محالاً تجارية لا أكثر ولا أقل، أي تصبح سوبر ماركت محلياً؟ الميزانيات الضخمة التي تحتوي عليها مثل هذه الجمعيات تجعل من الضروري تطوير أدائها وتحويلها إلى جهة ممولة للعديد من المشاريع الاجتماعية الهادفة، لاسيما أن لها قصب السبق في توطين غالبية الوظائف الإدارية لديها، وفي تعزيز مفهوم المشاركة بين المستهلك والبائع. إن التوسع والتخطيط بعيدي المدى مهمان في رسم سياسات الجمعيات التعاونية، وجمعها تحت مظلة الاتحاد التعاوني، وكذلك تنويعها والدفع بها نحو التحول إلى مؤسسات مستقلة تلعب دوراً رئيسياً في خدمة المستهلك بأفضل البضائع وأكثر الأسعار تنافسية. ولعل مثل تلك الأنشطة كانت العامل الرئيسي وراء اتساع رقعة الخدمات التي بإمكان الجمعيات التعاونية تقديمها، وتأتي أهمية هذا التوسع واعتباره ركيزة أصيلة في تطوير دور الجمعيات منذ نشأتها. وذلك بالطبع، ناهيك عن ضرورة زيادة نسبة مشاركة هذه الجمعيات في تمويل المشاريع الاجتماعية ودعم المساهمين من ذوي الدخل المحدود، لمنحهم مزايا تمكنهم من الاستفادة من هذه الجمعيات. وتضطلع الاتحادات التعاونية في أوروبا بدور كبير يجعلها فاعلًا رئيسياً في رسم السياسات الاقتصادية للدول، وتكاد ترى فروعها في كل أنحاء البلاد لدرجة أنها تحل محل البقالات الصغيرة المنتشرة في كل المدن والأحياء. والأمر هنا متعلق بمستهلك ومساهم، وبمؤسسة ربحية ربحها يعود للمجتمع كرافد اقتصادي لتدوير العملية التبادلية بين الجمعيات والمستهلكين بأعتبار أن الجمعيات لاعب مهم وأساسي ويفترض أن يُعطى حجمه الحقيقي وتتاح له فرص التطوير ليقوم بدوره الحقيقي. إن غياب تلك النظرة يؤدي إلى تعطيل ذراع اقتصادية حيوية، كما يضعف دور طرف مهم يضطلع بدور حيوي في أداء دور مهم في زيادة نفع المستهلك والمساهم في وقت واحد. لم يعد التفكير التقليدي في حصر دور الجمعية كبقالة كبيرة لا أكثر ولا أقل، يناسب الدور الحالي لهذه الجمعيات، خاصة أنه بإمكانها أن تكون مصدراً من مصادر الدخل لميزانية الدولة. لابد إذن من فكر جديد يطرح بعداً آخر يتوافق مع متطلبات المرحلة ويعطى الفرصة لإبداع يضاف لعمل الجمعيات بحيث تكون رافداً يعزز الاقتصاد ويسعى لإنجاح مشاريع ترتبط بالجمعيات التعاونية. إن الاهتمام بتطوير الجمعيات التعاونية يمثل خطوة إلى الأمام تصب في صالح المجتمع وتتماشى مع القفزات الهائلة التي تحققها هذه الجمعيات حالياً، ومع الدور الذي يتعين أن تلعبه، كما يتوازى مع التطوير الذي حققته مثل هذه الجمعيات في دول العالم المتقدم.