في الذكرى العاشرة للإطاحة بصدام تطغى على النقاش الدائر حول ما إذا كان مجدياً إسقاط النظام والطريق الذي سلكته العلاقات الأميركية العراقية بعد ذلك، نظرة تشاؤمية تقول إن الولايات المتحدة خسرت العراق. والحقيقة أن هذه المقولة ليست صحيحة، فرغم كل المشكلات التي شهدها العراق في العقد الماضي يتفق معظم العراقيين أننا اليوم أفضل حالاً مما كنا عليه تحت حكم ديكتاتورية صدام القاسية، لذا سيظل العراقيون ممتنين للدور الذي اضطلعت به الولايات المتحدة لإزاحة الديكتاتورية وللخسائر التي تكبدتها عسكرياً ومدنياً ولمساهمتها في إنهاء حكم صدام، لكن بالطبع تبهت تلك الخسائر بالمقارنة مع ما تكبده الشعب العراقي من معاناة، والنتيجة أن الحكومة العراقية خرجت من تجربة الحرب أكثر تصميماً على ضمان ألا تضيع تضحيات الشعب العراقي والمساهمة في بناء مستقبل قائم على الحرية والازدهار. أما علاقتنا بالولايات المتحدة، فهي لم تنته بمغادرة القوات الأميركية وخروجها نهائياً من العراق، ففي ديسمبر عام 2001 وقفت جنباً إلى جنب مع أوباما فيما كان يتحدث عن «علاقة طبيعية» بين أميركا و«عراق ديمقراطي يتمتع بالسيادة ويعتمد على نفسه». ومن أجل هذا الغرض وتحقيقاً للازدهار الذي نتحدث عنه، ينهمك العراق في إقامة نظام سياسي مندمج، ويقبل الجميع من خلال انتخابات حرة متعددة الأحزاب، وبحكومة متنوعة الأعراق وبقضاء مستقل، وليس غريباً أن تصل توقعات النمو للناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العراقي إلى 9.4 على الأقل سنوياً حتى عام 2016، كما أننا تجاوزنا في العام الماضي إيران لنصبح ثاني أكبر دولة في منظمة الدول المصدرة للبترول من حيث إنتاج النفط الخام. والأكثر من ذلك أن العراق في علاقته بالولايات المتحدة هو شريك يتمتع بالسيادة وليس محمية أميركية، وحتى في حال تباين المواقف بين الشركاء واختلافهم أحياناً، إلا أنهم يحترمون بعضهم ويتفهمون وجهات النظر المختلفة. وفي هذا السياق، نطالب الولايات المتحدة بالأخذ في عين الاعتبار وجهة النظر العراقية حيال عدد من القضايا المهمة، لا سيما تلك المرتبطة بالمنطقة، فالعراق يركز حالياً على وضع سياسة خارجية مستقلة مستبعداً أي تكرار لحروب صدام، بل نحن ملتزمون بعلاقات جيدة مع جميع جيراننا، حيث نمد يد الصداقة للأردن وتركيا والسعودية والكويت؛ ولأننا نقتسم 376 ميلاً من الحدود مع سوريا و906 أميال مع إيران، فإنه من مصلحتنا الحفاظ بعلاقات متميزة بعيدة عن العداوة مع هذين البلدين. ففي سوريا لا نتصور سيناريو يتم فيه الحسم من خلال «انتصار» عسكري سواء من الحكومة، أو من المعارضة، ولا نعتقد أن الحل العسكري سيجلب السلام والاستقرار إلى البلد، ذلك أنه فقط من خلال حل سياسي متفاوض عليه يمكن الوصول إلى حل، لذا نعارض بشدة أي عمليات نقل للأسلحة سواء للحكومة، أو للمعارضة، ونحن نعمل على ألا يُستغل مجالنا الجوي وأراضينا كمعبر لنقل الأسلحة لأي من الأطراف، كما أن استمرار عسكرة الصراع لن يؤدي سوى إلى مزيد من المعاناة للمدنيين وسقوط عدد أكبر من القتلى، مع تقوية شوكة الجماعات الراديكالية بما فيها عدونا المشترك، القاعدة. والحقيقة أننا لا نفهم ذلك الاعتقاد السائد في الولايات المتحدة من أن أي نتيجة في سوريا تقتضي تنحية بشار من السلطة، وأن ذلك سيكون أفضل في جميع الأحوال من الوضع الراهن. والحال أن سوريا تسيطر عليها كلياً، أو جزئياً «القاعدة»، أو التنظيمات المرتبطة بها- وهو السيناريو الذي تتزايد احتمالاته يوماً بعد يوم- ستكون أخطر على بلدينا مما هو عليه الوضع اليوم، وعلى أميركا أن تتذكر بأن إحدى النتائج غير المقصودة لتسليح المتمردين في أفغانستان خلال قتالهم للقوات السوفييتية كان تسليم البلد إلى «طالبان» و«القاعدة». أما فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران فالعراق يملك أطول حدوده معها وهو بالتأكيد لا يريد العودة إلى حرب أخرى كتلك التي كلفت في الثمانينات مئات الآلاف من القتلى على الجانبين، كما أننا نريد رؤية شرق أوسط خالياً من أسلحة الدمار الشامل، حيث الحكومات ملتزمة بتعزيز التعاون والتنمية بدل الصراع والتنافس للحصول على السلاح النووي. ولا ننسي أيضاً أن الشعبين العراقي والإيراني تجمعهما علاقات تاريخية وثقافية ودينية، وفيما نصر على استقرار العلاقة بين البلدين، إلا أن العراق لن يكون أبداً تابعاً لإيران، ذلك أننا نتبع سياسة خارجية مستقلة تقوم على المصالح الخاصة للعراق، وقد أثبتنا ذلك من خلال التوقيع على «اتفاقية إطار» استراتيجية مع الولايات المتحدة، واستمرار الالتزام الراسخ بالحفاظ على شراكة قوية مع الولايات المتحدة على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية. وما زال التعاون المشترك بين البلدين يؤتي ثماره وكل أملنا تسريع وتيرته وتفعيله أكثر، وفيما كانت رحلتنا من الاستبداد إلى الديمقراطية صعبة جاءت أحداث «الربيع العربي» لتؤكد أن جميع الدول التي تمر بمراحل انتقالية تعرف اضطرابات، كما أن الاحتجاجات التي تشهدها بعض المدن العراقية تثبت أن معظم الشعب العراقي، رغم وجود أصوات طائفية، يريد التعبير عن مطالبه بالوسائل الديمقراطية، ومع اقتراب انتخابات مجالس المحافظات خلال الشهر الجاري والانتخابات التشريعية في السنة المقبلة، يمكن للعراقيين تسوية اختلافاتهم عبر صناديق الاقتراع وليس العنف. هذا ويظل العراق الذي يمتلك خامس احتياطي مؤكد من النفط العالمي، وباعتباره الاقتصاد الأسرع نمواً في المنطقة شريكاً يمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليه في الطاقة والتجارة، وباحتياجاتنا المتزايدة في البنية التحتية وتطوير شبكات الكهرباء والماء يمنح العراق فرصاً استثمارية مهمة للشركات الأميركية، وفي الأخير لا يمكن القول إن أميركا «خسرت» العراق، بل إنه في العراق وجدت الولايات المتحدة شريكاً يقتسم معها القضايا الاستراتيجية والجهود المشتركة في مجالات الطاقة والاقتصاد ودعم السلام والديمقراطية. نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»