التوسع والحصول على لقب دولة مؤثرة ولاعب رئيسي في المشهد السياسي العالمي، هدف مهم للسياسة الخارجية الإيرانية الطموحة، والجهود التي تبذلها لترسيخ وجودها في آسيا وأفريقيا. وتهدف إيران جاهدة إلى تحويل البحر الأحمر إلى بحرٍ أخضر، وتسعى للضغط على دول الخليج العربي عن طريق زعزعة استقرار الصومال واليمن وزعزعة الأمن الداخلي والشرعية في جزيرة العرب وأميركا اللاتينية لتطويق خصومها التقليديين، من خلال بناء جسر متشعب المسارات يمتد حول العالم من الخليج العربي إلى اليمن والأردن إلى العراق مروراً بلبنان وسوريا وفلسطين ومصر والسودان وأريتريا والصومال وكينيا، وصولاً إلى العمق الأفريقي، من خلال تشييع مئات الألوف ودعم وتسليح الحركات التمردية. وتحاول إيران مد هذا الجسر إلى أفغانستان وباكستان والهند وبنجلاديش وسيرلانكا إلى جمهوريات روسيا السابقة مثل أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وأذربيجان إلى بكين وكوريا الشمالية إلى موسكو إلى أوروبا إلى أميركا الجنوبية، والتقارب مع دول مثل البرازيل والأرجنتين وبوليفيا والحليف الأكبر فنزويلا. ووصل الأمر إلى إطلاق قناة تلفزيونية إيرانية عالية الجودة بنظام HD باللغة الإسبانية وهي قناة IRIB الموجهة للدول المتحدثة باللغة الإسبانية وحملات مكثفة حول العالم لتأكيد التواجد الإيراني، وتأكيد استعداد إيران لمساعدة البلدان المختلفة وتعزيز استقلالها والسعي لتشكيل جبهة موحدة لمعارضة ما تسميه «القمع الغربي»، وتستمر في تبني مواقف متعارضة ومتناقضة لخدمة أهداف طموحاتها ومصالحها القومية. فمن هجوم ورفض تام في الصحافة الإيرانية للثورة التونسية في بدايتها وإطلاق مختلف المسمّيات السلبية عليها، من منطلق أن الثورة هي ثورة سُنّية تعارض طموح الجانب الإيراني في تونس، إلى تأييد الثورة في الوقت الحاضر، ولربما بعد أن وجدت لها موطئ قدم... وقِسْ على ذلك في باقي دول «الربيع العربي». وفي قراءة تحليلية لما يراه الكثير من المحللين السياسيين في العالم، نجد أنها استراتيجية مغلّفة بأيديولوجيات وعقليات تصدير «الثورة» حول العالم، وتقويض سيطرة القوى العظمى الحالية على التكنولوجيا النووية ومصادر الطاقة وثورة المعلومات والمؤسسات الدولية التي تحكمها. إيران تريد أن تُثبت لبقية العالم أن الدول الكبرى وشركاءها وحلفاءها لم يعدو الأبرز في الشرق الأوسط، وهي قادرة على العودة إلى البروز على الساحة العالمية مع نكهة شيعية متشددة لصياغة النظام العالمي الجديد وغيرها من المناورات الجيوسياسية لاختبار حدود السلطة ونفوذ الدول العظمى والنظام العالمي الحالي مقابل هذه السياسة التوسعية القومية المذهبية، واستخدام سلاح دبلوماسية الطاقة، وتبادل المعرفة والتمكين الفئوي في الدول المستهدفة. وعلى سبيل المثال، تساعد إيران في بناء محطات توليد الكهرباء والسدود في لبنان في خطوة لتعزيز نفوذها في البلاد على الحدود مع كل من إسرائيل والبحر الأبيض المتوسط وعملت مع سوريا بشأن الطاقة والتوسعات الصناعية الثقيلة والحصول على التكنولوجيا والمواد الخام اللازمة للصناعة النووية. وفي منطقة القرن الأفريقي، أقامت علاقات اقتصادية تقوم على استخدام البحرية الإيرانية أحد موانئ تلك الدول كمحطة عبور بين قناة السويس والبحر العربي، وليس سراً أن الشركات الإيرانية غالبها مملوكة من قبل جهات إيرانية رسمية وشراء شركات التنقيب عن الذهب والبترول والغاز في دول شرق أفريقيا للتحايل على العقوبات الدولية فيما يخص المعادن ذات الاستخدام المزدوج وعلى الهامش الشرقي من الاتحاد الأوروبي. ووفق ما يعتقده المراقبون، تحاول إيران التأثير على السياسة التركية من خلال تمويل الأحزاب الإسلامية وتدريب رجال الدين في الأناضول وتوسيع وجودها الاقتصادي في هذا البلد من خلال التجارة الثنائية، التي تصل إلى ما يعادل 16.5 مليار دولار أميركي والتحرك البحري عبر الحدود بين البلدين التفافاً على عقوبات الأمم المتحدة عن طريق الشركات التجارية والتعاون في مجال الطاقة من قِبل النظامين الذي يشمل خط أنابيب الغاز «تبريز أرضروم»، وخط أنابيب «نابوكو» في نهاية المطاف التركي إلى النمسا لاستبدال اعتماد الاتحاد الأوروبي على روسيا كمصدر للطاقة من خلال الاعتماد ليس فقط على تركيا باعتبارها نقطة عبور، ولكن أيضاً على إيران كمورد لها. ولا يتوقف النشاط الإيراني عند هذا الحد، بل تريد أن تكون الأخ الأكبر لدول الاتحاد السوفييتي السابقة مثل بيلاروسيا وأذربيجان على سبيل المثال، فهي تستثمر ما يعادل أكثر من 1.5 مليار دولار أميركي على مشاريع التنمية والموافقة على تبادل الطاقة على التوالي في مقابل الحصول على فرص التأثير ثقافياً ومذهبياً على سكان تلك الدول وقد ركزت إيران اهتماماً كبيراً على مدى السنوات القليلة الماضية على الحكومات في طاجيكستان وأفغانستان لتحدي التأثيرات الأميركية والروسية والديمقراطية العلمانية في تلك الدول في آسيا الوسطى. ومن جانب آخر إيران تتفاوض لمد خط أنابيب الغاز الطبيعي إلى الهند عبر باكستان، بحيث يمكن أن تصبح مورداً رئيسياً للطاقة في جميع أنحاء جنوب آسيا. ويؤمن ملالي إيران بأن الأقليات الشيعية والسُنية في الهند قد تعاني من التهميش، وبالتالي فهي عرضة للتأثيرات الجذرية من ماكينة التأثير المذهبية الإيرانية. ولهذا السبب توجه إيران الأموال والمواد التعليمية والمعلمين الدينيين للتأثير على المجموعات الدينية المسلمة في الهند، وتستمر مخططات التأثير والانتشار الإيراني في ذلك الجزء من العالم، بتدريب الجيش والأجهزة الأمنية السيريلانكية من قبل الجانب الإيراني، كما تقوم إيران ببناء مصافي النفط هناك للاستخدام المحلي وللتصدير على حدٍ سواء وقوافل ثابتة من السفن التجارية الإيرانية تمر عبر موانئ سيريلانكا تحمل الأجهزة والصادرات الإلكترونية، واستخدام الجزيرة كنقطة عبور لشحنات النفط من وإلى الصين. وعلاوة على ذلك، بدأت الصين تتعاون مع إيران لتمويل بناء الموانئ في المياه العميقة على طول الشواطئ الجنوبية والشرقية لسيريلانكا، لتعزيز التحالف الإيراني الصيني، وتستفيد إيران من خلال السماح لها بتصدير صادراتها إلى بلدان جنوب شرق آسيا بكل يسر بجانب إنشاء موطئ قدم اقتصادي وعسكري في سيريلانكا، يسهل استخدام كل من إيران والصين نفوذها العسكري باعتبارها تحدياً للهيمنة البحرية في المحيط الهندي للدول التقليدية في المنافسة على ذلك المحيط الحيوي والتوجه الإيراني على هذه الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي، ليست لأسباب عسكرية اقتصادية فقط، ولكن يتم ضمن صفقات التبادل المنفعي وفق مصالح تلك الدول، وفتح المراكز الثقافية والمدارس الدينية الشيعية بين المجتمعات السُنية السيرلانكية. ومن ناحية أخرى، يعد التنين الصيني أكبر شريك تجاري لإيران وداعم أساسي لصناعات النفط والغاز الإيراني، كما لإيران مشاريع مشتركة لتطوير حقول النفط والغاز بالتعاون مع الشركات الماليزية. وقامت شركات الحرس الثوري بفتح مكاتب لها في العديد من المدن الرئيسية في إندونيسيا، وشاهدنا جاكرتا تؤيد شرعية نجاد، كما أعربت أيضاً عن تأييدها في الأمم المتحدة لبرنامج الطاقة النووية السلمية الإيرانية. وبالمقابل ما تقوم به إيران في الدول العربية لا يخفى على أحد، وعليه ينبغي أن تتحرك الدول العربية مجتمعةً وفق رؤية واضحة واستراتيجية موحدة لمواجهة المد التوسعي الإيراني قبل فوات الأوان.