فتور أميركي تجاه عملية «التسوية»... ونفور تركي من العضوية الأوروبية تراجع حماس إدارة أوباما تجاه عملية السلام، وعودة الاهتمام الأوروبي بضم تركيا، ومصاعب الاقتصاد المصري، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. عملية السلام في صحيفة لوموند كتب «لوران زكيني» تحليلاً بعنوان «سلام أوباما: مع نتنياهو»، قال فيه إنه يتعين عدم التقليل من قيمة الحصيلة التي انتهت إليها جولة الرئيس الأميركي الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، فقد نجحت على الأقل في تحقيق السلام مع... نتنياهو! أما السلام مع الفلسطينيين، فذلك شأن آخر. وكان «نحوم برنياع»، كاتب الافتتاحيات الشهير في صحيفة يديعوت أحرونوت، قد اعتبر أن أوباما لم يأتِ لإطلاق فصل جديد من فصول الدبلوماسية الأميركية حيال الصراع المزمن بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإنما جاء لكي ينهي فصلاً سابقاً وطريقة امتدت لوقت طويل في التعامل مع هذا الصراع. ويصف الكاتب تقييم برنياع هذا بأنه لا يخلو في الحقيقة من تشاؤم، لأنه ما زالت أمام وزير الخارجية كيري مهمات عديدة سينخرط فيها خلال الأشهر المقبلة في منطقة الشرق الأوسط، من أجل اجتراح اختراقات مستفيداً في ذلك من الفشل والجولات غير المثمرة التي حاولت فيها إدارة أوباما الأولى إذابة جليد التسوية، دون جدوى. ويرى الكاتب أن كيري سيكون في مقدوره الاستفادة أيضاً من الوقت ومن ضغوط بعض الملفات والاستحقاقات الأخرى كالملف النووي الإيراني، وانتخابات التجديد النصفي الأميركية المقررة في شهر نوفمبر من العام المقبل. ومع هذا يلزم الاعتراف بأن تلك الانتخابات تحديداً ستعبئ جهود إدارة أوباما منذ أواخر العام الجاري، وهو ما يعني أن فرص تجاوز انسدادات عملية السلام تبقى قليلة. وفوق هذا يعرف البيت الأبيض أن 69 في المئة من الأميركيين يرون أن على الإسرائيليين والفلسطينيين أن يتولوا هم أنفسهم صناعة السلام، وليست هذه بالضرورة مسؤولية الولايات المتحدة، في المقام الأول، كما توهم البعض أو حاولوا إيهامها بذلك طيلة الأربعين سنة الماضية، من خلال إقناعها بلعب دور «الوسيط النزيه» بين طرفي الصراع، في وقت لا يعترف لها أي من الطرفين بهذه الصفة، ويتهمها كل منهما بالانحياز للطرف الآخر، حيناً بحين. وإذا كان أوباما قد توصل هو أيضاً إلى قناعة مثل هذه التي يتبناها أغلبية مواطنيه، يقول الكاتب، فسيكون ذلك مؤشراً آخر على أن أميركا عاودتها الرغبة في الاستسلام لنزعات الانطواء والانعزال على نفسها، مثلما فعلت من قبل في مرات عديدة من تاريخها، وخاصة في مواجهة لحظات التحدي الدولية الهائلة. وفي سياق آخر، نشرت صحيفة لومانيتيه مقالاً للكاتب «خوزيه فور» تحت عنوان «على أوباما إعادة نوبل السلام « قال فيه إن التسرع في منح الميداليات وشهادات التكريم ليس حكراً على الفرنسيين، فهناك دول أفريقية وآسيوية كثيرة تمنح الأوسمة وشهادات التقدير بسهولة مطلقة، بل إن جائزة نوبل نفسها أثبتت أنها هي أيضاً تسير أحياناً على طريق التسرع في منح جوائزها لمن لم يبذل جهداً في سبيل استحقاقها، وأوضح دليل على ذلك هو تسرع لجنة جائزة نوبل للسلام في سنة 2009 بمنحها لأوباما الذي كان حينها في بداية حكمه، ولم يحقق شيئاً يمكن أن يبرر إسناد هذه الجائزة إليه. ولذلك اكتفت لجنة أوسلو بتبرير اختيارها لسيد البيت الأبيض يومها بعبارات فضفاضة مجملة قالت فيها إنه قد بذل «جهوداً غير عادية في سبيل دعم الدبلوماسية والتعاون بين الشعوب»! بل إن رئيس اللجنة قال إن أوباما «خلق أجواء جديدة في السياسة الدولية»! ولكن المفارقة أن كل هذا الزمن قد مر بعد منح أوباما الجائزة وما زال صراع الشرق الأوسط مستمراً، والصراعات الدولية الأخرى الكثيرة على حالها، في حين أن زعيم القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم لم يتمكن من إيجاد تسويات أو حلول تبرر ولو بأثر رجعي حصوله على نوبل السلام. وهنا يتساءل الكاتب، في ضوء الحالة الكارثية التي يعرفها العالم وسط الصراعات والمحن والحروب، ألا يتعين على أوباما أن يعيد جائزة نوبل مع الاعتذار عن عدم تمكنه من الوفاء بالوعود؟ تركيا وأوروبا في صحيفة ليبراسيون رصد تحليل سياسي للكاتب والأكاديمي «جان- فرانسوا بايار» عودة اهتمام العواصم الأوروبية بتحريك ملف عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، ناقلاً في البداية عن جونتر أوتينجر، المفوض الأوروبي للطاقة، قوله لصحيفة «بيلد» إنه «من هنا وحتى عشرة أعوام ستكون هنالك امرأة أو رجل في منصب رئاسة الوزراء الألمانية، وسيجد نفسه مضطراً للذهاب مع نظيره الفرنسي، إلى أنقرة، لاستجداء الأتراك في ضراعة: أصدقاءنا الأعزاء، التحقوا بنا». واعتبر الكاتب أن سد الأبواب أمام العضوية التركية سنة 2007 في وقت كان حزب أردوغان قد بدأ فيه يفرض إرادته على الجيش، قد أدى عملياً إلى تأخير حركة التغيير السياسي الإيجابي في تركيا لتتلاءم مع معايير كوبنهاجن، وحرم الأوروبيين من القدرة على التأثير، بهذه الطريقة أو تلك، على الشركاء هناك، بما في ذلك مجال حقوق الإنسان. وفي الوقت نفسه أدى الركود الاقتصادي الأوروبي وتفاقم الأزمة النقدية لمنطقة اليورو، إلى تراجع حماس القطاع الأعرض من المواطنين الأتراك من أجل الاستمرار في مكابدات العضوية في الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبرون موقفه منافقاً وغير ملائم تجاه عضوية بلادهم. وللدلالة على تحول مزاج المواطنين الأتراك وانسداد شهيتهم للعضوية يكفي أن نعرف أن نسبة مؤيدي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي هبطت خلال سنوات قليلة من 80 في المئة، إلى 30 في المئة، لتصل أخيراً إلى 17 في المئة فقط في شهر يونيو الماضي. هذا في حين كانت النسبة 34,8 في المئة سنة 2011 و78 في المئة في سنة 2004. ويرى الكاتب أن ما كان متوقعاً أصبح الآن حقيقة ماثلة، فقد استشعرت تركيا الإحباط وبحثت عن فضاءات أخرى صبت في مصلحتها سياسياً واقتصادياً. ومن هنا فقد اعتبر 46 في المئة من الأتراك بحسب استطلاعات الرأي أن التعاون «مع الدول المجاورة، وخاصة مع روسيا» يعد الآن هو الخيار الأفضل كبديل لعضوية الاتحاد الأوروبي التي قال 33 في المئة من أفراد العينة إنها «عديمة الفائدة». ومع هذا، يقول الكاتب، لاشك أن الأزمة السورية قد حملت معها توتراً في علاقات أنقرة وموسكو، ولكن هذه الأزمة أيضاً مؤقتة وستتكشف عن نهاية، وتأثيرها محدود على حجم التبادل القائم بين البلدين الذي بلغ 30 و35 مليار دولار في السنتين الماضيتين. مصر: التحدي الاقتصادي خصصت لوموند افتتاحيتها أول من أمس الجمعة لقرع جرس الإنذار من الحالة الصعبة التي يمر بها الاقتصاد المصري الآن، متسائلة في بدايتها: هل تمضي مصر الآن نحو التراجع؟ هل شارف أكبر بلد عربي على الانهيار الاقتصادي والمالي؟ مشيرة إلى أن المحادثات المهمة بين القاهرة وصندوق النقد الدولي بشأن قرض أعيد فتحها هذا الأسبوع بعد تأجيل مديد، ولكن الأجواء العامة الآن على ضفاف نهر النيل تبدو متشائمة. فهنالك الجبهة السياسية أولاً، حيث يستمر الاستقطاب الحاد بين النظام ومعارضيه السياسيين. ومنذ مجيء هذا النظام في 30 يونيو من العام الماضي لم يتمكن بعد من إيجاد أجواء ثقة في اقتصاد البلاد. وقد مثل هذا دليلاً على ما كان يوجه لـ«الإخوان» قبل وصولهم إلى السلطة من أنه لا يوجد لديهم في الواقع برنامج اقتصادي أو اجتماعي يمكن تسيير البلاد من خلاله. وعلى كل حال فالبلاد تسير في ظروف صعبة. وإلى جانب الصراع السياسي وعدم الاستقرار تسير الأمور على الجبهة الاقتصادية خاصة على نحو مثير للقلق. فكل المؤشرات الاقتصادية تصطبغ باللون الأحمر. والسياحة والاستثمارات الخارجية في حالة سقوط حر. ووقود «الديزل» يتناقص، متسبباً في انقطاعات التيار الكهربائي، والبطالة التقنية تتزايد في المدينة والريف. وحال التمويل العام يسوء، وقد تراجعت مخزونات النقد الأجنبي في عامين من 36 إلى 13 مليار دولار. وهذا يمثل تكلفة ثلاثة أشهر فقط من ثمن صادرات القمح والوقود، هذا مع العلم أن مصر هي المستورد الأول في العالم لمادة القمح خاصة. إعداد: حسن ولد المختار