التعليم هو الركن الأساس لتقدم الأمم والشعوب، وقد حظي في الإمارات باهتمام بالغ من قبل قيادة الدولة، وتعاقب على إدارة التعليم وزراء اجتهدوا ما وسعهم للارتقاء به كي يكون الأفضل في المنطقة، وقد تحققت إنجازات ليس المكان مناسباً لسردها. وكي نصل إلى غايتنا الوطنية، ونحقق أهدافنا المستقبلية، لابد من إعادة النظر فيما نقوم به اليوم في مدارسنا، لأنني وبعد أكثر من عشرين سنة في ميدان التعليم، أقول إن تعليمنا بحاجة إلى جهة ذات صلاحية تحدد شمال بوصلته من جنوبها، كي لا نخسر جيلاً من التلاميذ هم اليوم في مدارسنا، لكنهم يخوضون أطول تجربة تعليمية أعرفها. فمع تعاقب المسؤولين على التعليم وتعدد خبراتهم وتجاربهم، تنوعت التطبيقات والمناهج في مدارسنا، والضحية هم أغلى ما نملك: جيل المستقبل. وكغيري من التربويين والمهتمين بمستقبل التعليم، سعدنا بالاجتماع الذي عقده في أبوظبي سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، الذي ضم عدداً من ممثلي الجهات الحكومية المختلفة في أبوظبي، وذلك للوقوف على أوضاع قطاع التعليم بشقيه العام والخاص، واتخاذ ما يلزم من إجراءات ومعايير للارتقاء بهذا القطاع. حيث قال سموه: «حين نتحدث عن التعليم، وعن دوره في صوغ مستقبل الوطن، فإننا بالضرورة نتحدث عن الهوية الوطنية، التي لا تستقيم ولا تتماسك دون مناهج تعليمية تنهض بها، وتؤكد دورها ومكانتها وتقدم تاريخ المكان وتراثه بطريقة علمية مدروسة تتوخى مخاطبة جيل جديد له متطلباته الخاصة ويواجه بدوره الكثير من التحديات. فالمعادلة الحقيقية هي كيف يكون التعليم جسراً إلى الهوية الوطنية، وكيف تكون الهوية الوطنية جزءاً لا يتجزأ من التعليم؟». وتوقف سموه في هذا الإطار عند اللغة العربية وما تواجهه من تحديات وأهميتها في التعليم، وفي سياق صوغ الهوية الوطنية وحرص القيادة الحكيمة على توفير كافة أشكال الدعم لإنجاح هذه المسيرة. لقد وضع سموه يده على الجرح عندما ركز على الهوية الوطنية واللغة العربية التي تضيق اليوم في بعض مدارسنا. لقد حضرت حصة دراسية في روضة أنفقت الدولة على بنائها مئة مليون درهم، وهذا أمر متميز، لكن ما يقدم في مثل هذه الرياض بحاجة إلى وقفات، ففي الحصة كانت المعلمة المواطنة تحكي لهم قصة الجمل، وفي جانبها معلمة أجنبية تعلمهم في الوقت نفسه اللغة الإنجليزية، حيث تقول العربية كلمة جمل تقول الأجنبية camel... وهكذا تستمر القصة في الحصة، تأملت في وجوه التلاميذ خلال الدرس فرأيتم حيارى، وما هم بحيارى، لكن هذا المنهج أمره عجيب. خلال هذه الفترة، كنت أقرأ ملخصاً لمحاضرة قدمها في أميركا Pasi Sahlberg، وهو مؤلف كتاب الدرس الفنلندي: ماذا يتعلم العالم من التعليم في فنلندا، البلد الذي نعرفها بأنها «بلد نوكيا»، وهي كذلك الرقم واحد في جودة الحياة في العالم، لكن القليل يعلم أنها من عام 2000 إلى الآن تحقق أحد الأرقام الثلاثة في اختبار Piza في الرياضيات والعلوم والقراءة، فماذا يميز التعليم الفنلندي؟ الميزة الأولى أنه تعليم حكومي من الروضة حتى الدكتوراه، حيث لا توجد لديهم مدارس أو جامعات خاصة، ثم أنهم يدرسون بلغتهم الأم. وفي مدارسهم لا يتم التركيز على الواجبات المدرسية والامتحانات، لكن على تخصيص وقت أطول للاستمتاع بالتعلم والإبداع وشعارهم المساواة Equality بدلاً من التميز، وأهم محور تم اعتماده في تطوير التعليم لديهم كان يتلخص في تطوير المعلم ثم الثقة به، فهل نتعلم منهم ويكون لنا تجربتنا الخاصة؟