من الأمور المثبطة للغاية حقيقة أن المفارقة والتناقض في مجال الشؤون الدولية هما العنصران السائدان. فصناع السياسة، والساسة، لا يحصلون على ما يريدونه دائماً، وحروب التوسع التي تشنها الدول القوية تنتهي في أحيان كثيرة بالإخفاق في تحقيق المكاسب المرجوة، سواء تمثلت تلك المكاسب في طموحات جغرافية، أو الاستيلاء على موارد في دولة أجنبية، أو تعظيم القوة في الساحات الخارجية. ومن أسباب ذلك الإخفاق وعدم رغبة الدول أو عدم قدرتها على الاعتراف بالدوافع الحقيقية لخوض تلك الحروب. ومن المؤكد أن الدول لا تميل للاعتراف بدوافعها أمام الدول الأجنبية. ولا أتحدث هنا عن رفض الاعتراف بأن شن هجوم على دولة ما كان مدفوعاً بالرغبة في الاستيلاء على نفطها أو مخزونها من اليورانيوم، وإنما أقصد الدوافع الخفية أو اللاشعورية التي تدفع الحكومات لشن الحروب. أما الحروب الدفاعية، فغالباً ما تكون مدفوعة بأوهام وخيالات، تغطي على الميول العدوانية بصبغة سامية. وأغلب الحروب عادة ما تكون نتاجاً لخليط متشابك ومعقد من الدوافع التي تشمل طموحات عدوانية، أو مخاوف غير مبررة في معظم الأحيان، لكنها مضخمة على نحو متعمد لأسباب عدوانية ودعائية. وتقدم الولايات المتحدة نموذجاً مريحاً لحالة راهنة من حالات خداع النفس. فالحرب التي يجري الحث عليها في الولايات المتحدة حالياً، هي حرب مموهة كحرب وقائية دفعت إليها تهديدات جدية، كما لو أن إيران تمتلك بالفعل سلاحاً نووياً وتنوي القيام بعمل انتحاري من خلال الهجوم على الولايات المتحدة -أو بالأحرى- على إسرائيل. والدافع الحقيقي لقيام إسرائيل بشن هجوم على إيران هو تدمير قوة متوسطة الحجم، ليس لكونها تشكل تهديداً نووياً، وإنما لكونها تمثل منافساً في منطقة معادية بطبيعتها لهذه الدولة. لا يستطيع المرء القول إن المنطقة معادية بالفطرة لإسرائيل، حيث عاش فيها اليهود منذ القرن الثامن الميلادي في سلام ووئام، وسط مجتمعات إسلامية، واستمر ذلك حتى القرن العشرين، ولم ينته إلا مع قيام دولة إسرائيل. لذلك، فإن شن حرب «وقائية» تهدف لتدمير أو شل إيران، قد يبدو كتحذير وحشي، لكنه مفيد في الآن ذاته، في نظر تل أبيب أو حتى في نظر واشنطن، ولكن يمكن أن تترتب عليه تداعيات تاريخية طويلة الأمد. والولايات المتحدة، لن تكون في هذه الحالة، دولة تتصرف استجابة للنفوذ الذي تتمتع به إسرائيل على أغلبية الأعضاء في الكونجرس، أو استجابة لمتطلبات التحالف الرسمي القائم بينها وبين إسرائيل، وإنما ستكون دولة ذاهبة للحرب ضد إيران من أجل خدمة واحد من أهداف سياستها الخارجية غير المعترف بها ألا وهو: المحافظة على أكبر قدر ممكن من احتكارها الجزئي للقوة النووية العسكرية في العالم. دعنا نفترض أن امتلاك دول مثل باكستان، والهند، وكوريا الشمالية للأسلحة النووية يمثل أمراً سيئاً بما فيه الكفاية في نظر واشنطن، لكن ذلك ليس هو المهم، بل المهم في نظر واشنطن، هو إيقاف أكبر عدد ممكن من الدول المرشحة لامتلاك القنبلة مستقبلا من الحصول عليها، من أجل المحافظة على احتكار أميركا (أو شبه احتكارها)، والذي كُسر بالفعل، للقوة النووية. محاولة واشنطن تحقيق ذلك تمثل وهماً. وفي المدى الأطول يعتبر جهداً عبثياً، لأن الانتشار النووي بات كبيراً لدرجة تفوق قدرة الولايات المتحدة على إيقافه. وفي هذا السياق قد يعني لنا السؤال: ما هي الطموحات الحقيقية للصين بعد أن أعلن أوباما تغيير محور الاهتمام الأميركي في اتجاه شرق آسيا؟ في الوقت الحالي تعتبر هذه الطموحات محدودة على الأرجح، وهو ما أعلنته الصين ضمناً، ويتمثل في: إعادة تأسيس وضع الصين التاريخي كـ«مملكة وسطى» في شرق آسيا، وقبول جيرانها للقيام بأدوار تابعة. ويمكن تحقيق هذا الطموح من خلال دبلوماسية بارعة من جانب الصين، وسوف يعتمد الكثير في ذلك على اليابان (المتحدي الرئيسي للصين في العصور الحديثة)، وكوريا (موحدة أو غير موحدة)، وتايوان. كان هذا هو الوضع السائد في شرق آسيا، قبل أن تتعرض لتأثيرات النزعة القومية الحديثة، والأيديولوجية الحديثة، والتقنية الحديثة، والرأسمالية العالمية. إدارة أوباما في واشنطن تبدو مقتنعة بأنها تستطيع، بل ويجب، أن تلعب دوراً في التطور الحالي والمستقبلي لآسيا، حيث توجد لديها بالفعل طائفة من المصالح الاقتصادية والمالية المتداخلة في القارة، وهو أمر جيد في حد ذاته ولا غبار عليه. لكن الأمر غير الجيد في هذا السياق هو القيام بدور سياسي أو عسكري في القارة الآسيوية. خلاصة القول: هذا هو الوقت المناسب لقيام الأميركيين بتحديد مصالحهم الوطنية الحقيقية في منطقة شرق آسيا، وتعريفها على نحو دقيق لأنفسهم أولا، مع العمل بأقصى ما لديهم من جهد، على مقاومة إغراء الاستفادة من الاضطرابات التي يمكن أن تحدث جراء تدخلاتهم. فالأمر المؤكد هو أن تلك المنطقة ليست بحاجة لحرب أخرى. ويليام فاف كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»