ما يجري في المشهد السياسي العربي حالياً بكل تعقيداته، خاصة بعد وصول تيارات إسلامية إلى سدة السلطة في بعض الدول العربية، يحتاج إلى نقاش جاد للتعرف عن قرب على ما سيحصل في المشهد السياسي المستقبلي للمنطقة. صحيح أن هناك الكثير من الكتابات والدراسات التي دارت طوال الفترة الماضية حول موضوع الحركات الإسلامية، إلا أن الإشكالية الجوهرية التي تتعلق بهذه المسألة لا تزال الرؤية حولها غير واضحة، وأعني رؤية هذه الحركات لمفهوم الدولة الوطنية. معظم الدراسات التي ظهرت في العقود الثلاثة الأخيرة، وتناولت تاريخ جماعة «الإخوان المسلمين»، أشارت إلى أن هذه الجماعة اكتسبت خصائصها ورؤيتها للواقع السياسي منذ نشأتها عام 1928 من الواقع السياسي والاجتماعي الذي كانت تعيش فيه، وهي رؤية حكمت إلى حد بعيد توجهاتها ورؤيتها حيال الآخر، والتي جعلتها تضع نفسها موضع التحدي والصدام مع سلطة الدولة القائمة. وقد حصر المفكر الإسلامي الراحل خالد محمد خالد الذي عاصر فترة تكوُّن حركة «الإخوان المسلمين»، في كتابه «قصتي مع الحياة»، أهم «عوامل التعرية» التي أصابت الحركة في أمرين: 1- التنظيم السري: بسوءاته وجماعاته وجرائمه المسؤولة عن كل ما أصاب «الإخوان» من بلاء وشقاء، حيث استباح هذا النظام الخاص دم بعض قادته وزعمائه واعتمد العنف المستهتر في تصفية حساباته ودعم دعوة جماعته تماماً، كما يفعل المتطرفون اليوم في كل البلاد. 2- غياب الإيمان بالديمقراطية واحترامها وعدم بث الولاء لها في ضمائر «الإخوان» وفكر الجماعة وسلوك قادتها. وبجانب «عوامل التعرية» التي ذكرها خالد محمد خالد، هناك أيضاً مسألة الانتقال من النقيض إلى النقيض، فـ «الإخوان» حسب ما جاء في كتاب أحد قادة إحدى الحركات الإسلامية، يعلنون ولاءهم للحاكم، لكنهم يخرجون عليه إذا وجدوا فرصة نجاح الخروج راجحة، ويدلل على ذلك موقف المرشد الأسبق حسن الهضيبي الذي كان يهرول إلى سجل التشريفات، ولا يجد أي حرج في إرسال رجاله للتفاوض مع عبدالناصر لقلب نظام الملك فاروق. والمثال الثاني نجده في تصريحين: الأول جاء على لسان الدكتور رشاد بيومي نائب المرشد العام في حواره مع جريدة «المدينة» الصادرة بتاريخ 2013/1/4، والذي قال فيه: «الإخوان وقادتهم لم يجدوا ملاذاً آمناً لهم في عهد عبدالناصر سوى دول الخليج التي احتضنتهم». ثم أضاف أنه لا تواصل أو تخطيط بين «إخوان» مصر و«إخوان» دولة أخرى، «فهذه قواعد لا نحيد عنها ولم تصنع أي أزمة في بلد من البلدان التي وطئتها أقدامنا». وهذا الأمر يتناقض تماماً مع ما صرح به المرشد السابق مهدي عاكف في حواره مع صحيفة «النبأ» (2012/6/23)، من أن الحلم الذي يراود «الإخوان» منذ نشأتهم هو مشروع الخلافة الإسلامية أو الدولة الإسلامية الكبرى، وهذا المشروع لم نتنازل عنه، بل هو ضمن أولويات الجماعة. هذه الصورة المتناقضة تبرز أيضاً في توظيف الخطاب السياسي الإخواني لخدمة هذا الهدف المتناقض الذي يتحرك وفق المصالح السياسية المتغيرة لـ«الإخوان»، حيث تحول الخطاب «الحاد» حيال إسرائيل إلى خطاب سري يصفون فيه بيريز بأنه «الصديق الوفي المخلص»، وكذلك تحول الخطاب الحاد تجاه إيران إلى علاقة اقتصادية متبادلة! والأمر ذاته ينطبق على العلاقة مع المخابرات الغربية، والتي كشفتها العديد من المصادر وكان آخرها ما ذكره اللواء فؤاد علام، نائب رئيس أمن الدولة السابق، لجريدة «صوت الأمة» (2013/3/18)، والذي قال إن الهضيبي والبنّا كانا على علاقة بأجهزة المخابرات الأميركية والبريطانية.