الحكم الإسرائيلي الجاثم على صدر الشعب الفلسطيني، سواء في فلسطين 48 أو فلسطين 67، يرقى إلى نظام واحد متكامل من الفصل العنصري. فإسرائيل تسير بخطى سريعة، نحو العنصرية من خلال قوانينها وتشريعاتها التي تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني، وتمارس سياسة التمييز العنصري بحقه. ولقد انتشر تعريف إسرائيل في بعض الأوساط الدولية بأنها كيان آبارتايد، عوضاً عن تعريفها السابق بأنها «الدولة الوحيدة الديمقراطية» في المنطقة، وذلك بسبب ممارساتها اليومية التي تشرعنها قوانين الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، علاوة على الفتاوى التي تصدر عن حاخاماتها. وتثبت إسرائيل كل يوم، سواء من خلال سياساتها الخارجية أو الداخلية، بأنها دولة متغطرسة لا تلتزم بالقوانين والاتفاقات الدولية، ولا بميثاق الأمم المتحدة. لذا، لم يعد أمراً غريباً اقتراف الدولة الصهيونية جرائمها دون النظر إلى العواقب، ذلك أنها أصبحت كياناً لا يفهم ما ينشده عالم اليوم. وفي مارس 2009، أنشئت محكمة «راسل» بشأن فلسطين، على نموذج محكمة «راسل» الشهيرة بشأن فيتنام، والتي تعمل منذ ذلك الحين على لفت نظر الرأي العام الدولي إلى مصير فلسطينيي الأراضي المحتلة الذين يخضعون، بحسب تأكيد «هيئة محلفي» هذه المحكمة، لنظام مشابه لنظام «الآبارتايد» أو الفصل العنصري الذي كان متبعاً في جنوب أفريقيا. وقد جاءت تسميتها على هذا النحو، نسبة إلى «برتراند راسل»، الفيلسوف وعالم الرياضيات البريطاني الشهير، الذي عرف بدفاعه عن العقلانية والمادية وكذلك بمواقفه السلمية، والحاصل على جائزة نوبل للآداب للعام 1950 بسبب أمانته الإنسانية وحرية تفكيره. ففي عام 1966، إثر صدور كتابه «جرائم الحرب في فيتنام»، أسَّس «راسل» محكمة للرأي بهدف الحكم على جرائم حرب قوات الغزاة، وتسلم هو الرئاسة الشرفية للمحكمة. أما الفيلسوف والروائي الفرنسي جان بول سارتر، فكان المدير التنفيذي، ووقف إلى جانبهما عدد من القضاة، مثل المحامية التونسية اليهودية الشهيرة جيزيل حليمي، والفيلسوفة والمفكرة الفرنسية سيمون دو بوفوار. كان هدف محكمة راسل التي تشكلت من أجل فلسطين «تحريك الرأي العام كي تتخذ الولايات المتحدة والدول الأعضاء الإجراءات اللازمة لوضعِ حد للأمور ومعاقبة إسرائيل، والتوصل إلى تسوية عادلة ودائمة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي».‏ واعتماداً على القانون الدولي، اعتبرت المحكمة هدفها الفصل في:‏ (1) إخفاق المجتمع الدولي في تطبيق الحكم الاستشاري الصادر عام 2004 عن محكمة العدل الدولية بشأن بناء جدار الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.‏ (2) عدم تطبيق القرار 15/10 الذي يؤكد قرار محكمة العدل الدولية والذي تبناه المجلس العام للأمم المتحدة في 20 يوليو 2004.‏ (3) عدوان إسرائيل على غزة في ديسمبر 2008 ويناير 2009.‏ ومما يجدر ذكره أن المحكمة مؤلفة من مجموعة دولية من المواطنين المعنيين، والمنظمات غير الحكومية، الجمعيات الخيرية، ونقابات ومنظمات دينية. وفي العديد من الدول، أنشئت لجان وطنية لمساندة محكمة (راسل) فيما يتعلق بفلسطين قوامها مجموعات مختلفة وأحزاب سياسية ونقابات. كذلك حصلت محكمة (راسل) حول فلسطين على الكثير من الدعم من جانب شخصيات دولية، ورغم عدم وجود أي شرعية قانونية للمحكمة، فإنها تمتلك شرعية أخلاقية، نظراً للعدد الكبير من الشخصيات المعروفة الموقعة على بيان تأسيسها والمشاركة في مداولاتها. كما أن المقارفات الإسرائيلية ساهمت في إعلان الكثيرين تضامنهم العملي مع الشعب الفلسطيني، من خلال مشاركة عدد متزايد من النشطاء الغربيين في تحدي الظلم الإسرائيلي في الأرض المحتلة. من هنا، تستمد محكمة راسل شرعيتها التي تعكس وتمثل إرادة الشعوب، ورجالات الفكر والثقافة، في العيش في عالم تحكمه مبادئ الحرية والعدالة. أما الجديد حول هذه «المحكمة»، فيتجلى في حقيقة أنه في منتصف مارس الماضي، طالب أعضاؤها بأن تتولى «المحكمة الجنائية الدولية» التحقيق في الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك في جلسة عقدت في بروكسيل في ختام أربع سنوات من الجلسات في كل من برشلونة ولندن وكيبتاون ونيويورك. كما طالبوا بعقد دورة استثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن سياسة الفصل العنصري التي تطبقها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وبإنشاء لجنة دولية مكونة من قدماء المعتقلين السياسيين، وعلى رأسهم الناشطة الأميركية في مجال حقوق الإنسان أنجيلا ديفيس، لتنظيم حملة لمتابعة ملفات المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلية، والمطالبة بإطلاق سراحهم. كذلك، دعت المحكمة إلى تعليق اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، ووقف استيراد المنتجات من المستوطنات في الأراضي المحتلة. خلاصة القول، إن محكمة راسل حول فلسطين هي محكمة شعبية دولية تشكلت رداً على تقاعس المجتمع الدولي في مواجهة الخروقات الإسرائيلية الجسيمة والانتهاكات الصارخة للقانون الدولي، حيث أوضحت المحكمة أنه رغم أن الفلسطينيين يعيشون تحت حكم عسكري استعماري في الأرض الفلسطينية المحتلة، فإنهم يخضعون لنوع من نظام الفصل العنصري يمتد ليشمل فلسطينيي 48. لذا، فالمحكمة تحث إسرائيل على تفكيك نظامها القائم على الفصل العنصري، وتدعو المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغط على قوات الاحتلال من خلال فرض عقوبات وقطع العلاقات مع إسرائيل. المحكمة قد نظرت خلال السنوات الأربع الماضية في ملفات انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطيني، ووضعت تحت المجهر قرارات الأمم المتحدة الإيجابية دوما بشأن فلسطين، واستعمال الولايات المتحدة لحق النقض لمصلحة إسرائيل، وتواطؤ الشركات مع السياسة الإسرائيلية، وضعف تعامل الاتحاد الأوروبي مع القضية الفلسطينية. كما جمعت «كمية شاملة من الأدلة» تضم شهادات من جميع أنحاء العالم وردت من محامين، وسفراء، وموظفين سامين، وناشطين في مجال حقوق الإنسان، ومسؤولين في شركات. ولقد اعتبر روجر ووترز العضو البارز في المحكمة أن «محكمة راسل تشكل بريق ضوء في نفق طويل»، وأضاف: «من يعتقد أن ما تقوله نتائج تقصياتها خطأ، فعليه السفر إلى فلسطين ومخيمات اللاجئين للوقوف على ذلك بنفسه». من جانبه، اعتبر أستاذ القانون والمحامي البريطاني مانسفيلد مايكل أن «المبادرة الآن، بعد أن أنهت المحكمة أعمالها، ستنتقل إلى المجتمع المدني والقانونيين الدوليين. وسنستمر حتى تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني».