من الواضح لدى إلقاء نظرة فاحصة على وثيقة الخطوط الأساسية للحكومة الائتلافية الجديدة في إسرائيل، أن رئيس الحكومة نتنياهو قد اضطر لتجرع كأس مريرة بالنسبة لقناعاته، وقبول مبادئ شريكه القوي حزب «يشي عاتيد». لقد جاء هذا الحزب أساساً إلى الساحة الإسرائيلية كبلورة لموجات الاحتجاج التي قامت بها فئات الطبقة الوسطى في صيف عام 2011. ذلك أن حكومة نتنياهو السابقة تجاهلت مطالب المحتجين المطالبين بالمسكن الرخيص والتعليم الحكومي المجاني المتميز وخفض نفقات المعيشة، وهو ما أدى إلى نشوء حزب «يشي عاتيد» (هناك مستقبل) وظهوره في ساحة الانتخابات كحزب جديد. ولقد استطاع الحزب أن يحتل المرتبة الثانية في البرلمان برصيد 19 مقعداً بعد قائمة «ليكود -بيتنا» المكونة من حزبين هما «ليكود»، و«إسرائيل بيتنا» التي جاء رصيدها 31 مقعداً. لقد جرت مفاوضات ائتلافية صعبة بالنسبة لنتنياهو انتهت بصياغة وثيقة الخطوط الأساسية للحكومة، وهي وثيقة ملزمة للشركاء الائتلافيين. اسمحوا لي أن أنقل لكم عن النص العبري للوثيقة بعض البنود لنكتشف أن حزب الطبقة الوسطى قد وضع بصماته القوية على هذه الوثيقة، والتي من بنودها: 1- ستعمل الحكومة على خفض غلاء نفقات المعيشة بجميع الوسائل المتاحة لها. 2- ستعمل الحكومة على منح كل ولد وبنت في إسرائيل تعليماً واسعاً يؤهله لمواجهة تحديات العالم المتجدد وللحصول على الحياة بكرامة. 3- ستضع الحكومة في صدر اهتماماتها موضوع التعليم والتعليم العالي. 4- ستعمل الحكومة من أجل خلق الظروف الاقتصادية التي تمكن من النمو الدائم، وخفض غلاء المعيشة، وكذلك خلق فرص عمل جديدة والحفاظ على القائمة. 5- ستعمل الحكومة على تحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال تقليص الفجوات الاجتماعية والمحاربة الحازمة من خلال وسائل عديدة، منها التعليم والتشغيل وإيجاد حلول لمشاكل الإسكان. 6- ستعمل الحكومة بكل الطرق على خفض أسعار المساكن. 7- ستعمل الحكومة على تعزيز المساواة في تحمل أعباء التجنيد. 8- ستعمل الحكومة على تحصين سيادة القانون والحفاظ على مكانة المحكمة العليا. 9- ستضع الحكومة هدفاً قومياً لها تنميةَ المحيط الجغرافي والاجتماعي في إسرائيل وتزويده بالمرافق المختلفة. إن هذا البرنامج الاجتماعي الذي نجح حزب «يشي عاتيد» في فرضه، قد ولَّد آمالاً كبيرة لدى أبناء الطبقة الوسطى في تحسين أحوالها المعيشية. السؤال الكبير الذي يطرح نفسه لدى المراقبين بعد أن تم تعيين زعيم «يشي عاتيد»، الصحفي يائير لابيد في منصب وزير المالية يقول: هل يا ترى استخدم نتنياهو وسائله الماكرة عندما وافق من ناحية على تضمين مبادئ «يشي عاتيد» في الخطوط الأساسية للحكومة في نفس الوقت الذي دفع رئيس الحزب لتولي الوزارة التي تثير السخط الشعبي عادة ضد من يتولاها نتيجة الإجراءات التقشفية التي يضطر إليها؟ وهل تؤدي هذه الحيلة الماكرة إلى خفض شعبية حزب «يشي عاتيد» وزعيمه وكشف عجزه عن تمويل هذه المطالب الاجتماعية التي تتطلب ميزانيات ضخمة، رغم كونه المسؤول عن وزارة المالية؟ لقد أجاب لابيد بنفسه على هذا التساؤل على الفيسبوك قائلاً إنه يدرك الصعوبات وأنه يطالب الجماهير بمنحه الفرصة ليجرب. إذا نجح لابيد في تحقيق برنامجه، فإن حزبه سيكسب شعبية ضخمة تؤهله للفوز بالمرتبة الأولى في البرلمان المقبل، أما إذا فشل، فإن هذا سيكون عنواناً لاختفاء الحزب من الساحة.