المتابع للشأن الاجتماعي الإماراتي، والمراقب للمتغيرات التي يشهدها مجتمع الإمارات، بلا شك، سيدون أنه في عام 2013 حدث تغير مهم في نظرة المجتمع وأفراده إلى تقليد من التقاليد الإماراتية المتأصلة، وهو احتفالات الأعراس التي لها اعتبارات وقواعد خاصة. لقد كان يوم العرس في المجتمع الإماراتي شيئاً مميزاً - وسيبقى كذلك - لذا فقد كان هذا اليوم يلقى اهتماماً كبيراً جداً من المجتمع، وبالتحديد من أهل العريس وأهل العروس، فيظهرون في هذه المناسبة كل مظاهر الكرم، من خلال الموائد العامرة، وكل مظاهر الفرح، من خلال الاحتفالات والفرق الفنية، وكل مظاهر الاهتمام والتقدير، من خلال ما يتم تقديمه من مهر و«زهبة» للعروس. وعلى مدى عقود طويلة في هذه المنطقة، ظلت هذه العادات والتقاليد العربية الأصيلة راسخة ويتمسك بها كل أفراد المجتمع. ومع تطور الحياة أصبحت مظاهر الكرم والاحتفال والتقدير تأخذ أبعاداً كبيرة، وبالتالي أصبحت تكاليف الزواج مضاعفة، وبالضرورة ستكون مرهقة للعريس، الأمر الذي جعل الشيخ زايد رحمه الله يدعو في حياته أكثر من مرة المواطنين والآباء إلى تخفيض المهور وعدم الإسراف في الأعراس، وبعد هذه الدعوات تم إنشاء صندوق الزواج، لمساعدة الشباب على الزواج من خلال منحهم 70 ألف درهم... وكل ذلك خفف من المشكلة لكنه لم يقض عليها تماماً. واليوم تغير الحال بشكل ملفت، فقد أصبحت أعراس الإمارات تقلل تكاليفها، فعرس الشيخ ذياب، نجل الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كان مع عرس ابن عمه الشيخ زايد نجل سمو الشيخ سعيد بن زايد آل نهيان ممثل حاكم أبوظبي، ليس هذا فحسب، بل كان حفل عرسهما ضمن عرس جماعي شارك فيه أكثر من سعبين شاباً مواطناً من مختلف إمارات الدولة. والملاحظة الأهم في هذا العرس، أنه كان بلا إسراف ولا تبذير في الطعام، فكان برنامج عرس الرجال عبارة عن حفل استقبال مع قهوة عربية وشاي و«فواله» بسيط عبارة عن حلوى ومكسرات وتمر وحلويات، بالإضافة إلى بعض المشروبات، كلها وضعت على الطاولات أمام المهنئين... وفي مقابلهم فرق الفنون الشعبية تصدح بالأهازيج الشعبية، كل ذلك في وقت العصر إلى ما قبل المغرب. هذا هو مشهد العرس الجديد في الإمارات، وقد تكرر مرة أخرى خلال الأسبوع الحالي في عرس سمو الشيخ عمر بن زايد آل نهيان، وكان معه في عرس جماعي 50 شاباً من مختلف إمارات الدولة. بعد أن كانت الأعراس تشهد الولائم العامرة على الغداء أو العشاء، حيث يتم تقديم عشرات الذبائح بأنواعها، وتقديم مختلف أنواع الأطعمة التي كان معظمها، - وللأسف - لا يؤكل، وإنما يُلقى في براميل القمامة... أصبح الوضع مختلفاً اليوم، وأصبح المجتمع واعياً لدرجة أنه لم يعد يقبل كل ذلك التبذير والإسراف، فبدأ الشيوخ بأنفسهم، مع التمسك بالعادات والتقاليد، ومع الوعي بوجود أولويات أخرى، فقرروا أن يكون العرس معقولاً والفرحة من غير إسراف. ومجتمع الإمارات وهو يتخذ هذا القرار غير البسيط، لا شك أنه يشعر بالآخرين، وهو لا يقبل أن يكون هناك جوعى في العالم من حوله، ويتصرف أفراده بسلوك بعيد عن الإحساس بهؤلاء الجوعى. الجزء الجميل في هذا التغيير الاجتماعي، هو أن شيوخ القبائل، والذين هم أكثر من يتمسك بالعادات والتقاليد وبالموروث الثقافي والاجتماعي للبلد ويعتز بها، كانوا هم أول من دعموا هذا التوجه وبدؤوا بتغيير مظاهر الأعراس في قبائلهم. ومن يتابع صحفنا يجد إعلانات للإعراس يعلن فيها أهل العريس وأهل العروس عن تغيير موعد الاحتفال ليتماشى مع التوجه الجديد في البلد، وهؤلاء يستحقون التقدير والاحترام لأنهم يشعرون بمجتمعهم ويتجاوبون مع التغيير الإيجابي الذي يشهده المجتمع، والذي يكون في صالح المجتمع والفرد، وفي الصالح العام أيضاً. ننتظر أن نلمس ذلك التغيير في أعراس المواطنين أيضاً، بحيث يخففوا على الشباب أعباء الزواج، ويستغنوا عن الولائم، ويكتفوا باستقبال المهنئين، والاحتفال الشعبي بالزواج، خصوصاً أننا لمسنا من بعض الأسر عدم التجاوب مع هذا التغيير، رغم إيجابياته الكثيرة؛ ففضلاً عن إيجابياته الاقتصادية التي تخفف الأعباء، هناك إيجابية صحية، حيث تخلصنا من وجبات العشاء المتأخرة التي لا تخفى مضارها على أحد... وهذا الشكل من الأعراس هو ما يمكن أن نطلق عليه «الأعراس المستدامة»، فهي تحافظ على الصحة، ثم تحافظ على المال، كما تحافظ على البيئة وعلى الثروة الحيوانية وعلى الطاقة، وتوفر المياه، والأهم من كل ذلك، تسهم في مشاركة العالم همومَه وأفراحه.