أصبحت القصة معروفة: قتال يدور في بلد إسلامي أو يقطنه مسلمون، تصدر فتاوى تحرض على الجهاد، يتقاطر الشباب من كل حدب وصوب على ذلك البلد، يصل إلى علم الأهالي أن أولادهم لقوا حتفهم هناك أو أودعوا السجون بتهم تتعلق بالإرهاب، يناشدون دولهم بالتحرك وإعادة أبنائهم، ويدعون إلى محاكمة أصحاب الفتاوى المحرضة على الجهاد. آخر فصول هذه الحكاية تقع أحداثه في سوريا، وغالبية أبطاله -كما هو متداول إعلامياً- هم من بلدان المغرب العربي، إذ يتم تجنيدهم من قبل شبكات جهادية، ويرسلون إلى الأراضي السورية للجهاد ضد الجيش النظامي تحت راية «جبهة النصرة» المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، والأهالي كالعادة يناشدون الحكومة بتفكيك هذه الشبكات، وبإعادة أولادهم. ودائماً يوجد هناك بطلان في هذه القصة، شاب غاضب، وشيخ دين مهووس بالإفتاء، والأول يوصف بأنه مغرر به ومغسول الدماغ وضحية لعبة سياسية أو حتى إرهابي، والثاني يوصف بأنه مضلل ومحرض وداعية موت. ودائماً ينسى نقاد هذه القصة البطل الخفي، أو الكامن بين السطور، وأعني الأهالي. وبطبيعة الحال، فإن منع شاب يملك قراره من السفر حتى إلى الجحيم أمر مستحيل، لكن الذي ليس مستحيلاً هو تحصينه ضد هذا المنهج المنحرف قبل أن يستقل بنفسه ويملك زمام أمره، وأزعم أن من ينشأ في بيت يرفض تلك الأفكار، فإن فرصة التحاقه بالجماعات الجهادية ستقل كثيراً، وحتى لو لم تثمر معه التربية، فيكفي الأسرة أنها أدّت واجبها تجاه ذلك الابن العاق. ويسري مبدأ «فأبواه يهوّدانه أو يمجسانه أو ينصرانه» على من يُربى على فهم خاطئ للإسلام، ومثلما يصعب تشويه مفاهيم من نشأ على مفاهيم صحيحة في البيت، فإنه يصعب تصحيح مفاهيم من نشأ على مفاهيم خاطئة في البيت. وأزعم أيضاً أن اكتفاء الأهالي بالوقوف مكتوفي الأيدي أمام الغلو والتطرف أقل ضرراً من التصفيق لهذه الانحرافات. وإذا كان التحصين واجباً، فإن الوقوف على الحياد أو التهاون هو أضعف الإيمان، لكن تبدأ الأسرة في الاشتراك في الجريمة حين تشيد بأفعال تلك الجماعات وتتعاطف مع أفرادها. ماذا نتوقع في سنة 2013 من شاب كان قبل 12 عاماً ولداً صغيراً رأى والده يهلل أمام التلفزيون وهو يرى البرجين ينهاران تباعاً والناس تهرب من ألسنة النار وسحب الدخان بالقفز من الأدوار العليا الشاهقة حتى بدوا كأنهم أوراق تتطاير؟! وماذا نتوقع منه حين سمع والده بعد سنتين من ذلك الحدث وهو يشيد بفتوى القرضاوي بقتال من يتعامل مع الأميركيين في العراق، ويدعو بطول العمر لهذا المفتي الفضائي؟! وماذا نتوقع منه وهو يرى أهله يتتبعون أخبار بن لادن منذ «غزوة منهاتن» إلى أن أردي قتيلاً سنة 2012 على أيدي القوات الأميركية في منزله السري بباكستان، نحو 11 سنة كان يسمع أن بن لادن مجاهد عظيم، وخلال هذه السنوات، كانوا يمتدحون رموز الإرهاب، ويلتمسون لهم العذر والمبررات كلما نفذوا عملية إرهابية في بلد عربي أو مسلم؟! وماذا نتوقع منه وقد رأى أهله يقفون في صف المجاهدين المزعومين في كل موقف ومناسبة، وتردد على مسامعه سنوات طويلة أن العالم منقسم إلى فسطاطين: فسطاط الإسلام، وفسطاط الكفر، وحين يكون الكلام عن المسلمين، فإنهم ينقسمون إلى فسطاط المؤمنين والشهداء، وفسطاط المنافقين والعملاء؟! ستكون معجزة إن لم يلتحق ذلك الولد في شبابه بالجماعات المتطرفة، وستكون معجزة أيضاً إن أصبح فجأة ومن دون مقدمات شاباً ناضجاً يفهم اللعبة.