فاجأ ريجان مواطنيه والعالم أجمع قبل 30 عاماً بإعلان دراماتيكي عن أن الولايات المتحدة ستقوم بتطوير ونشر نظام قادر على اعتراض وتدمير الصواريخ الباليستية الاستراتيجية، وعلى غرار تعهد كينيدي بإرسال رجل إلى القمر، كان هدف ريجان هو تمديد العقول حتى تبلغ وقائع جديدة كان يجدها معظم الناس مستحيلة. ومع تطور «مبادرة الدفاع الاستراتيجي»، قامت هذه الرؤية على ثلاث أفكار رئيسية. أولاً، أن التقدم التكنولوجي سيجعل من الممكن «ضرب رصاصة برصاصة». ثانياً، أن نظام الدفاع الصاروخي هذا سيسمح، عند اكتماله، بـ«جعل الأسلحة النووية عاجزة ومتجاوزَة». وبالنسبة لريجان شكَّل هذا محطة أساسية للتقدم نحو رؤيته الأعظم المتمثلة في عالم خالٍ من الأسلحة النووية. وثالثاً، لإقناع خصم أميركا زمن الحرب الباردة بالقضاء على ترسانته النووية كقوة عظمى أيضاً، اقترح ريجان تقاسم تكنولوجيا مبادرة الدفاع الاستراتيجي مع موسكو. غير أن كل جوانب رؤية ريجان الثلاثة أثارت انتقادات شديدة فورية في الداخل والخارج؛ فقد جادل المتشككون بأن ضرب صاروخ بصاروخ هو أمر مستحيل من الناحية التكنولوجية. ولكن بعد ثلاثين عاماً وأكثر من 150 مليار دولار من الاستثمارات لاحقاً، تم التغلب على هذه العقبة إلى حد كبير. فاليوم، تنشر الولايات المتحدة وحلفاؤها أنظمة دفاع صاروخي خاصة بالصواريخ قصيرة المدى (نظاما القبة الحديدية الإسرائيلية وصواريخ باتريوت الأميركية، مثلاً) وبالصواريخ طويلة المدى (نظام إيجيس الذي يطلق من البحر ونظام صواريخ اعتراضية تطلق من البر في ألاسكا). وهذا الشهر فقط، ورداً على تهديدات كوريا الشمالية، أعلنت إدارة أوباما عن مخططات لنشر 14 صاروخاً اعتراضياً إضافياً تطلق من البر. في البداية، قوبلت رؤية ريجان لعالم خال من الأسلحة النووية برفض معظم المؤسسة الأميركية باعتبارها ساذجة وخطيرة. غير أنه في العقود الماضية، قام أربعة من ألمع مسؤولي المؤسسة الأميركية زمن الحرب الباردة – جورج شولتز، وهنري كيسنجر، وويليام بيري، وسام نان – بإعادة هذا الموضوع إلى الأجندة الاستراتيجية الأميركية. وخلال أول خطاب دولي له كرئيس، في براغ ربيع عام 2009، تبنى أوباما هذا الهدف مجادلاً بأن وجود الأسلحة النووية هو «أخطر تركة ورثناها من الحرب الباردة». وقد خطت اتفاقية «ستارت» الجديدة للحد من الأسلحة التي توصل إليها أوباما وميدفيديف في أبريل عام 2010 خطوةً متواضعةً نحو تحقيق تلك الغاية. ولعل أكثر جانب إثارة للجدل في فكرة ريجان هو اقتراحه تقاسم هذه التكنولوجيا مع خصومنا السوفييت. فخلال قمتهما في أكتوبر عام 1986 في ريكيافيك، بآيسلندا، اقترح ريجان على جورباتشوف «تقاسم فوائد الدفاع الاستراتيجي، إذ سنتفق الآن على اتفاقية تتعهد بالقيام بذلك إلى جانب القضاء على الصواريخ الباليستية». وعلاوة على ذلك، وعد ريجان بأنها ستكون «اتفاقية ملزمة تنص على تقاسم البحوث التي تُظهر إمكانيات بخصوص الاستعمالات الدفاعية». ورغم أن جورباتشوف كان مهتماً بتطلع ريجان إلى القضاء على كل الأسلحة النووية، فإنه وحكومته كانا مرتابين في النوايا الأميركية. ولذلك، رفض جورباتشوف، في ختام القمة، حزمة ريجان الجريئة، لأن واشنطن رفضت قبول شرط موسكو بأن تقتصر بحوث مبادرة الدفاع الاستراتيجي على المختبرات لعقد من الزمن. واليوم، مازال موضوع الدفاع الصاروخي الباليستي يشكل عقبة كبيرة في طريق العلاقات الأميركية- الروسية، حيث يحول دون تحقيق قدر أكبر من التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في التصدي لطموحات إيران النووية ويعرقل جهود التفاوض حول مزيد من التقليص للأسلحة النووية. وبشكل خاص، تلح موسكو على «ضمانات ملزمة» بأن الدفاعات الصاروخية الأميركية لن تستهدف أو تؤثر على الرادع النووي الاستراتيجي لروسيا. والحال أن الدفاع الصاروخي الأميركي الحالي قادر فقط على الدفاع ضد عدد محدود من الصواريخ الباليستية البدائية (من دون صواريخ التمويه المطوَّرة)، وبالتالي، فإنه قد لا يشكل دفاعاً فعالاً ضد هجوم صاروخي نووي روسي. وبالمقابل، فإن الهدف الواضح والصريح لعمليات نشر الصواريخ الاعتراضية الأميركية هو هزم التهديدات الصاروخية الإيرانية والكورية الشمالية وتوفير حماية للقوات الأميركية وحليفتها ضد تلك البرامج الصاروخية. ولكن، ماذا كان سيفعل ريجان في مثل هذا الوضع؟ الواقع أنه بوسع المرء أن يكون واثقاً من أنه كان سيفكر خارج إطار الأفكار والحلول التقليدية المقترحة الآن على الطاولة. وأعتقد أنه كان سيعرض على الروس، ليس الشفافية بشأن أنظمة الدفاع الصاورخي الأميركية فحسب، وإنما أيضاً تقاسماً حقيقياً للسيطرة على تلك الأنظمة في عملية نشر جديدة تضم أنظمة رادار أميركية وروسية. وربما كان سيشمل هذا الاقتراح أيضا عمليات خفض كبيرة في الترسانتين النوويتين التكتيكيتين والاستراتيجيتين الأميركية والروسية. والأكيد أن فكرة عمليات نشر جديدة ومشتركة تَعِد بالقضاء على التهديد الصاروخي الإيراني كانت ستُحدث تأثيراً صاعقاً في طهران. وخلاصة القول إنه إذا استعار أوباما صفحة من كتاب ريجان، فإن «الجمهوريين» في واشنطن الذين يزعمون بأنهم أوفياء لإرث الرئيس الأميركي الأربعين(ريجان) سيصابون بالصدمة. ولكن العبء سيكون ملقى عليهم لتفسير لماذا يعد نشر الدفاعات الصاروخية التي من شأنها جعل الولايات المتحدة وحلفائنا أكثر أمانا من هجمات إيران وكوريا الشمالية ليس في مصلحة أميركا، مثلما يزعمون. جراهام أليسون مدير مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية بجامعة هارفارد ومساعد سابق لوزير الدفاع الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»