يسألني بعضٌ ممن تعرفت عليهم هنا في بريطانيا من الأصدقاء الدارسين والقادمين من بلاد العالم المختلفة، وكذلك من البريطانيين، عن حقيقة ما تنقله وسائل الإعلام العالمية عما يحدث في الإمارات من تغييرات بنيوية وتحقيق أرقام قياسية واستضافات لفعاليات عالمية تكاد تكون حلماً أو خيالاً. بعض هؤلاء زاروا الإمارات في أوقات سابقة وفترات مختلفة من الزمن، وبعضهم عاش في بدايات نشأة الدولة مع والديه، وبعضهم يخطط لقضاء إجازته فيها. وبعضهم من المحبين للإمارات، لكونهم مرتبطين عاطفياً بها. بريطاني تجاوز السبعين أهداني صورة لقلعة الجاهلي في مدينة العين بعدما أعاد تلوينها، وآخر سعيد لأن ابنه يعمل في إحدى الشركات الوطنية الكبرى في أبوظبي؛ لأن وجود ابنه يتيح له زيارة الإمارات، وهو يحتفظ بعدد من الصور عنها، حتى إنه أحياناً يبلّغني بحالة الطقس في أبوظبي. سألته عن سبب الاهتمام بالإمارات، فكانت إجابته: بلد جميل وشعبه طيب، وطبعاً الراتب. هذه نماذج لقصص تتكرر كثيراً عن الإمارات، وتعكس حالة من الشك: هل ما يحدث حقيقة أم خيال؟ وهل يمكن أن يحدث مثل هذا عند العرب؟ يثير الناس ذلك التحول وتلك الإنجازات، ويؤكدون أن الثورة النفطية ليست وحدها السبب فيما يحدث، وإلا فإن هناك دولاً سبقت الإمارات بسنوات في مجال استخراج النفط، بل وحتى في كمية النفط المستخرجة، وكان يُفترض أنها الآن أكثر تقدماً وتحضراً وتنمية، ما يعني أن هناك منهجاً وفكراً أو عقلية تختلف في طريقة استغلال هذه الثروة، حيث تم توظيفها في الاتجاه الذي يخدم الشعب. لاحظت أن التركيز على التطورات السياسية في إقليم الشرق الأوسط أو ما يسمى «الربيع العربي» أعطى انطباعاً مدهشاً ومستغرباً من القادمين للدراسة هنا من حيث حيوية حركة التنمية الاقتصادية وحالة الفوضى الموجودة في دول «الربيع». إنهم ليسوا قادرين على استيعاب تباين الحالتين، وبمجرد التوضيح «تنقشع الغمامة». نخبة المجتمعات لديها القدرة على استيعاب ما يحدث في الإمارات، سواء رجال الأعمال أو السياسيون وكذلك الصحافيون، إضافة إلى من احتكوا بالمجتمع الإماراتي لسبب أو آخر مثل العائلة التي يعمل ابنها في الإمارات أو من عمل في الإمارات خلال فترات معينة من الزمن، ويعيش ذكريات «الزمن الجميل» ويحتفظ بصور إماراتية، أو تلك التي كانت في بدايات الثمانينيات ابنة دبلوماسي، واليوم تخطط لأن تقضي«الكريسماس» القادم في الإمارات. الكل هنا يحتفظ بذكريات إماراتية جميلة يريد أن يسترجعها، لكن هناك في المقابل أفراداً لم تتضح الصورة لديهم، ويأخذون إقليم الشرق الأوسط باعتباره يشمل الجميع، قياساً على نظرية «الكتلة الشرقية» و«الكتلة الغربية» أثناء الحرب الباردة. اعتزازي بما أسمعه عن وطني الإمارات والتنمية الحاصلة فيه ومتابعة الناس لها، بريطانيين وإسباناً وإيطاليين وروساً ومجريين، وعن التغيرات التي يقول بعض المتابعين إنها خلال العقد الماضي قفزت مراحل كبيرة ربما تساوت مع حجم الثورة التنموية التي حصلت في العقود الثلاثة الماضية، بل إنني لاحظت أن بعض أبناء الخليج عندما يتم سؤالهم عن دولتهم يجيبون بأنهم من الإمارات مع أنهم ليسوا كذلك. وهذا الأمر مبعث سعادة وفرح بالنسبة لي طالما لا ينطوي على إساءة. وهذا كله يدفعني أحياناً للتردد في الحديث والاسترسال في إبراز التفاصيل الدقيقة لما يحدث، كي لا يُفهم خطأ أنني أبالغ في نقل الصورة، فأترك المجال لأكون مستمعاً. وفي كثير من الأحيان يكون الاستماع مفيداً. تصادف وقوع حدثين إماراتيين خلال فترة وجودي هنا: الحدث الأول هو القمة الحكومية الأولى التي ظهر فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله وهو يجيب على أسئلة المواطنين، وبعضها كان أقرب إلى أمور «روتينية»، لكن الاهتمام بالشعب بدا واضحاً فيها. والحدث الثاني هو مهرجان افتتاح «قصر الحصن» في أبوظبي، والتي أتبعها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بتصريحات تدل على الكثير من المعاني في أسلوب التخاطب مع الشعوب. أنقل وفي أذهان المتابعين جغرافية المكان: «الشرق الأوسط». كل ما في الأمر أن قادة الإمارات اختاروا طريقاً مختلفاً في بناء دولتهم وخدمة شعبهم، واعتبروا السلطة التي بأيديهم من أجل مصلحة المواطن والوطن، وبالتالي عندما تجد مثل هذه اللغة وهذا البناء المستمر لمدة تقارب نصف قرن من الزمن دون توقف يكون انبهار الناس طبيعياً. لابد أن نجد العذر لمن يُصاب بالدهشة من حقيقة ما يحدث في الإمارات، كونها ضمن إقليم لم يعرف سوى الحروب والفوضى على مدى ثلاثة عقود على الأقل. حديثي أننا نحن في الإمارات ننطلق من الرغبة في أن نكون ضمن المجتمعات المتقدمة. نسعى إلى أن نكون من الأوائل في العالم، وهذا حق مشروع. والذي يفعل ذلك هم القادة، وهم يدفعون شعوبهم كي تتقدم. ولدينا قدرة على استيعاب من يختلف معنا فكرياً دون أن يتجاوز «أدب الانتقاد»، ونراهن مع المختلفين معنا على زيارة الدولة مرة واحدة... هكذا تعوَّدنا، وبعدها نترك له الحكم، بشرط أن تكون الموضوعية هي المنهج. وكثيرون يرجِّحون هذا الرأي، وأنك بسهولة يمكن أن تغيِّر رأيك بين ما تسمع وترى. ونحن في الإمارات ننظر إلى الأشياء من الزاويتين، الإيجابية والسلبية، لكننا دائماً نركز على الزاوية الإيجابية وندفع بها من أجل الإنجاح، ونتابع ما يحدث في المجتمعات العالمية من أجل الاستفادة منها والأخذ بما يصلح لنا. بل إننا نجد في بعض القضايا والأزمات إيجابيات ترشدنا إلى طريقة لإدارتها، بل إن التركيبة السكانية نجدها مساحة للاحتكاك مع الآخرين، والدليل أن الشخصية الإماراتية يسهل التعامل معها. باختصار، أعتقد أن مجرد أن تُطرح الأسئلة عن الإمارات فهذا معناه أن هناك متابعة لما يحدث في بلادنا، وهذا أمر إيجابي، فكيف إذا كانت الصورة التي تصل إيجابية؟ ما نحتاجه كإماراتيين أن نفرق بين التصرفات الشخصية والتصرفات عندما تتحرك باسم الدولة. ومن محاسن هذه النقاشات أنها توضح لنا صورتنا في العالم، وهذا أمر مهم، وبالتالي فهي مقياس لمدى نجاحنا في إيصال الرسالة التي ترغب الدولة في إيصالها. وأعتقد أننا في الإمارات صنعنا صورة جميلة ينبغي المحافظة عليها، وهنا مكمن الصعوبة!