لم يعد العرب ينتظرون قممهم الدورية بأي نوع من الحماس بعد أن أصبحت القمم تذهب وتجيء دون أن تغير من أوضاعهم شيئاً، وبعد أن أصبحت الأحداث الأساسية في حياتهم تتم بعيداً عن مؤسسة القمة، فإذا ترتبت على هذه الأحداث مشكلات أو معضلات فإن مؤسسة القمة تقف عاجزة عن معالجتها، غير أن قمة الدوحة ربما أثارت بعض الأمل في أن تكون قادرة على الإنجاز لأنها تعقد برئاسة دولة تملأ الدنيا -رغم صغرها- نشاطاً ومبادرات لحل القضايا العربية المعقدة، ومن ثم فقد أصبحت طرفاً في كافة محاولات هذا الحل إما بالمبادرات الدبلوماسية أو بالقدرة المالية أو بهما معاً، ومع ذلك فإن القمة لم تأتِ بجديد في المنهج أو في القدرة على الحل. من ذلك مثلاً محافظة القمة على نهج عدم اتخاذ قرارات، فهي «تؤكد مجدداً» و«تدرك» و«تستلهم» و«تستذكر» و«تعرب عن قلقها العميق» و«تدعو إلى» و«ترحب» و«تطالب» و«تشيد» و«تعبر عن رفضها التام» و«تتوجه بتحية إكبار وإجلال» و«تناشد» و«تعبر عن التزامها الكامل» و«تؤكد على دعمها الكامل» و«تؤكد مجدداً على تضامنها الكامل» و«تندد» و«تحث» و«تشدد على» و«تعمل على»، ولكنها لا «تقرر» أبداً، وحتى عندما تحتمل صياغة بعض القرارات اتخاذ قرارات أو إجراءات كما في «التعبير عن الالتزام الكامل» أو «التأكيد على الدعم الكامل» أو «العمل على» فإن الصياغات لا تشير من قريب أو من بعيد إلى أي إجراء عملي. وكذلك حافظت القمة على النهج الشامل الذي تتناول بموجبه كافة القضايا العربية من أول الصراع العربي- الإسرائيلي والتنديد بالنظام السوري والتضامن مع لبنان وليبيا والبحرين واليمن والسودان والصومال وجزر القمر وجيبوتي إلى قضية إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية والإرهاب وحوار الثقافات والحضارات والتمسك بالتضامن والتكامل العربيين وحقوق الإنسان والحد من الفقر في الدول الأعضاء وتطوير الجامعة العربية وأوضاع المرأة العربية والطفل العربي والتعليم، ولاشك أن ثمة منطقاً في هذا النهج الشامل في تناول القضايا العربية، فسيبدو غريباً أن تعلن القمة تضامنها مع ليبيا ولا تفعل الأمر نفسه مع السودان أو مع الصومال دون جزر القمر وجيبوتى، وخاصة أن كل دولة حاضرة للقمة ستضغط من أجل النص على قضيتها في بيانها الختامي، ولكن المشكلة أن هذا النهج على رغم منطقيته يجعل اهتمام القمة بالقضايا المختلفة خالياً من التفاصيل التي تجعل لها معنى. ومن الممكن التفكير في حلول لتداعيات هذا النهج، كأن تكون لكل قمة قضية رئيسية يتم تناولها بنهج تفصيلي، ويُحتفظ بالنهج العام لباقي القضايا. وكذلك فإن إمعان النظر في مجمل القضايا التي تتناولها القمة يظهر أن عدداً منها يمكن تناوله بسهولة في القمم الاقتصادية والاجتماعية، كما في التكامل الاقتصادي العربي وحقوق الإنسان والحد من الفقر وأوضاع المرأة العربية والطفل العربي والتعليم. وفي الصراع العربي- الإسرائيلي لم تأتِ القمة بجديد من حيث الجوهر، ومع ذلك فقد كان هناك اهتمام خاص بالوضع الذي اكتسبته فلسطين في الأمم المتحدة كدولة غير عضو، فدعت القمة مجلس الأمن إلى «اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تكفل قبول دولة فلسطين عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة ووكالاتها ومنظماتها المتخصصة». ولم يتوقف بيان القمة أمام عجز لجنة مبادرة السلام العربية، بل على العكس أشاد بدورها وبجهودها، علماً بأن المبادرة ولجنتها لم تحققا أي إنجاز منذ أكثر من عشر سنوات، ولكن اللافت أن البيان تضمن دعماً للمقاومة «الباسلة» في قطاع غزة. وكذلك أشار بيان القمة إلى ضرورة استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وليس في هذا جديد، ولكن الجديد هو القمة المصغرة التي يُفترض أن تُعقد في القاهرة لبحث الموضوع، وإن كان الخلاف قد استعر بين «فتح» التي لا ترى ضرورة لعقدها و«حماس» التي توافق على الفكرة. وأخيراً وليس آخراً فإن القمة رحبت بمبادرة أمير قطر بإنشاء صندوق لدعم القدس برأس مال قدره مليار دولار أميركي لتمويل مشاريع وبرامج تحافظ على الهوية العربية والإسلامية للقدس وتعزز صمود أهلها، وتمكن الاقتصاد الفلسطيني من تطوير قدراته الذاتية وفك ارتهانه للاقتصاد الإسرائيلي، على أن تتحمل قطر ربع رأس مال الصندوق، ولاشك أن هذه خطوة بالغة الأهمية، غير أن تاريخ القمم العربية مليء بتجارب الصناديق المماثلة التي تعثرت سواء بسبب عدم اكتمال التمويل أو صعوبات التنفيذ. وبالنسبة للمعضلة السورية ندد بيان القمة «بأشد عبارات التنديد» بالتصعيد العسكري الذي تمارسه قوات النظام السوري ضد الشعب، واستمرار عمليات العنف والقتل الجماعي التي تمارسها ضد السكان المدنيين في معظم الأراضي السورية، والتي نتج عنها ارتفاع عدد الضحايا بشكل خطير، كما زادت من عملية تهجير أبناء الشعب السوري. وكذلك رحبت القمة بشغل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مقعد سوريا في الجامعة العربية ومنظماتها ومجالسها وأجهزتها إلى حين إجراء انتخابات تفضي إلى تشكيل حكومة تتولى مسؤوليات السلطة في سوريا. وكانت الدورة الـ139 للمجلس الوزاري للجامعة التي انعقدت بالقاهرة في 6 مارس الماضي قد أوصت بهذا بشرط أن يشكل الائتلاف هيئة تنفيذية تكون ممثلاً لسوريا، وقد أثارت هذه الخطوة جدلاً واسعاً على أساس أن الائتلاف قد لا يكون معترفاً به من كافة فصائل الثورة السورية، كما أن المجلس الوزاري للجامعة ومن ثم القمة كان بمقدورهما أن يعطيا الائتلاف وضع المراقب تجنباً لهذه الإشكاليات. وتناولت القمة في بيانها قضية التغيير في غير موضع، فأبدت تأييدها الكامل له، وربطت بين التغيير على المستويين الوطني والقومي، فتضمن بيانها التأكيد على «أهمية تعميق الإصلاح المؤسسي على المستويين الوطني والقومي» وتأهيل السياسات الداعمة للاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي والارتقاء بنظام إدارة الحكم بما يحقق التفاعل الإيجابي بين المواطنين والدولة، وإنهاء مظاهر الفساد الإداري والمالي من خلال تكريس قيم الشفافية وتفعيل آليات المساءلة وتحسين مستوى جودة الإدارة، وذلك لإرساء دولة القانون وتعزيز المساواة والعدالة الاجتماعية. وفيما يتعلق بإصلاح الجامعة العربية نص بيان القمة على «العمل على تطوير جامعة الدول العربية ومنظومة العمل العربي المشترك بأسرها على نحو يكفل لها مواجهة التحديات التي تتطلبها تطورات الأوضاع في الوطن العربي، ويجعلها تسهم بفعالية في رسم مستقبل أفضل للشعوب العربية». وأكد على ضرورة دعمها وتوفير كافة الإمكانيات اللازمة لها لتطوير أدائها وأساليب عملها بما يتوافق ومعطيات العصر ومواكبة ما تفرضه المتغيرات الإقليمية والدولية. ومن السهولة بمكان ملاحظة عمومية النص، كما أن البيان لم يشر بحرف إلى جهود الأمين العام ورؤيته في هذا الصدد، وهو ما يعنى أن بيان القمة يتحدث عن تكريس الوضع الراهن بدليل أن الرؤية التطويرية الحقيقية للأمين العام لم تجد لها مكاناً فيه. لا تمثل قمة الدوحة بالتأكيد على ضوء ما سبق نقلة نوعية في القمم العربية، ومع ذلك هناك ثمة مهام على درجة من الأهمية تضمنها بيانها الختامي، فهل تكون مؤسسة القمة قادرة على التصدي لهذه المهام، أم أنها ستذهب كما ذهب غيرها أدراج الرياح؟