د. علي راشد النعيمي -------------- قد يبدو للوهلة الأولى أن «القاعدة» وخلاياها تقوم بالدفاع عن الإسلام ومواجهة أعدائه ولا تتردد في استخدام كافة الأساليب للاقتصاص منهم، وذلك من خلال العديد من الشعارات التي يرفعها هذا التنظيم ويكررها المنتسبون إليه ولذلك نجد للأسف تعاطف أو فرح البعض بما يقومون به من عمليات قتل وتدمير، وإن كان ضحاياها أبرياء حرم الإسلام قتلهم وصان دماءهم، ولكن لأنها تمت تحت شعارات الإسلام وتم توظيف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتبريرها، بزعمهم، فهذا يكفي لقبول مشروعيتها بل قد يصل الأمر بالبعض إلى الدفاع عنها لأنها موجهة لأعداء الإسلام غافلين عن خطورة فكر "القاعدة" على مستقبل المسلمين وعلاقاتهم فيما بينهم، فضلا عن علاقاتهم مع غير المسلمين. إن مواجهة أتباع "القاعدة" فكرياً لا تقل أهمية أبداً عن مواجهتهم أمنياً وعسكرياً لأنهم وللأسف يتكاثرون بسبب قدرتهم على إقناع بعض الشباب بأنهم يجاهدون دفاعاً عن الإسلام، ويعملون على شحن عقولهم بأفكارهم مستغلين جهل هؤلاء الشباب لأمور دينهم، ومبررين ذلك أيضاً بما يقع من ظلم على المسلمين في بلدان كثيرة. ولأن العديد من هؤلاء الشباب يعاني من أزمات نفسية واجتماعية فيكون بنفسه ضحية مهيأة لهم، ولهذا فلن تجد بين أتباع "القاعدة" عالماً أو طالب علم شرعي يعتد به، بل أكثرهم شباب تاهَ في هذه الحياة بلا أمل يتطلع إليه ولا هدف يسعى له، فجاءه من يقول له إن الحور العين ينتظرنك في الجنة وأسهل طريق للوصول إليهن هو أن تقوم بعملية انتحارية تضحية بنفسك في سبيل الله. ولذا نجد أن أكثر عمليات القتل والتدمير التي تقوم بها "القاعدة" تتم من خلال هذا الأسلوب. إن خطورة فكر "القاعدة" ليس فقط في ما يقوم به من تجييش الآخرين واستفزازهم لعداء الإسلام، وإنما في آثاره المدمرة في صرف الأمة عن الاهتمام بالتنمية ومواجهة تحديات الفقر والجهل والتخلف واللحاق بركب الأمم الأخرى في العلم والمعرفة والتقدم وإدخالها في صراعات ومعارك لا نهاية لها. إن الفكر الذي أحرق مكتبة تومبكتو في مالي، وهي تحوي الآلاف من المخطوطات الإسلامية النادرة، لا يمكن أن يكون ممثلا لإسلام العلم والمعرفة الذي بدأ دعوته بكلمة "اقرأ" ورفع من شأن العلم والعلماء. وإن قتل الأبرياء لتحقيق منافع مادية أو مطالب سياسية أو لتوجيه رسالة للعالم لا علاقة له بدين الرحمة والرفق والسماحة، وما تقوم به "القاعدة" وخلاياها إنما هو خدمة لأجندات محددة ليس من ضمنها خدمة الإسلام أبداً، ولذا تجدها تتحالف مع إيران في مواقع، وتتلاقى معها في مواقف، وفي أماكن أخرى قد تتحالف مع اشتراكيين يختلفون معها فكرياً أو انفصاليين يريدون تمزيق بلدان المسلمين وتفرقتهم، وهم يجندون الاتباع من كل بقاع الأرض ولذلك فلابد من مواجهتهم فكرياً وعلـى أكبر نطاق ممكن، وهنا يأتي دور علماء المسلمين الذين تعاملوا وللأسف مع قضية "القاعدة" باستحياء ولم يكن لهم موقف حاسم وحازم وإنما اقتصر دور بعضهم على ردود أفعال. إننا بحاجة إلى برامج توعوية مستمرة تؤسس لإسلام وسطي، تحمي شبابنا أينما كانوا من مثل هذا الفكر.