قام مسلحون إسلاميون بهجوم على حقل «إن أميناس» النفطي بالجزائر يوم 16/1/2013 واحتجزوا عشرات العاملين الأجانب في المنطقة الغنية بالنفط، وبيّنت الصور المرفقة بالخبر عشرات حقول النفط التي تزوّد أوروبا بحوالي 20 في المئة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي. كما أن هذه الحقول تجتذب استثمارات أجنبية للجزائر تقدر بمليارات الدولارات سنوياً. جاء الهجوم من قبل تلك الجماعات الإسلامية رداً على تدخّل فرنسا في مالي. وتخوّف مسؤولون غربيون من تراجع الإجراءات الأمنية في المنطقة ما حدا بالشركات العاملة هناك لإجلاء عامليها، على رغم أن بعض مشاريعها يقع على بُعد مئات الكيلومترات من موقع الهجوم. معلوم أن شركة «سوناطراك» الحكومية تدير قطاع النفط في الجزائر، الذي يعمل فيه نحو 100 ألف شخص. القضية تحتاج إلى وقفة! لأن عطش الاعتداء على الآخرين والتخريب لدى البعض يتجاوز حدود المعقول. وهذا يُذكّرنا بما فعله صدام قبل دحره في الكويت، عندما أشعل النار في آبار النفط الكويتية عام 1991، ما تسبب في كارثة بيئية عانى منها الإنسان والحيوان لفترة ليست بالقصيرة، إضافة إلى اختطاف الكويتيين المدنيين ثم قتلهم جماعياً في سجون العراق. كما أهدر ذاك الفعل المشين ملايين البراميل من النفط الذي تعتمد عليه عشرات الدول المستوردة له، ويساهم في مساعدة الدول العربية المحتاجة لتطوير بناها التحتية. وما انفكت دولة الكويت تقدم المساعدات لتلك الدول. إن النفط وملحقاته من الثروات العالمية، التي لا يجوز العبث بها بهذه الطريقة الهمجية. كما أن الانتقام لا يمكن أن يكون بهذا الأسلوب وضد طرف -مثل شركات النفط- لا ناقة له ولا جمل في الخلافات الدائرة في تلك المنطقة الأفريقية. كما أن احتجاز المدنيين من العاملين على خدمة البشرية -مهما كانت جنسياتهم- أمر ترفضه الشرائع ولا تقره القوانين ولا يقبل به العقل، لأن الرهينة تكون في ساحة الحرب، وعُرفت بالأسير، أما ما جرى في تلك المنطقة النفطية فهو خارج عن الذوق وعن التصرفات البشرية. كما أن تعطُّل مئات العاملين من الجزائريين وغيرهم عن العمل، جراء تلك الهجمات، سيلحق بهم الأذى ويتعرقل أسلوب ووسائل حياتهم، ناهيك عن خسارة توقف العمل بعد إجلاء الموظفين والعمال الأجانب من قبل الشركات العاملة في قطاع النفط والغاز الجزائري، وهو ما يربك الإنفاق المحلي على المشاريع والخدمات التي تعتمد كثيراً على إيرادات النفط والغاز. نحن نعتقد أن قتل الآمنين-أينما كانوا- يعتبر جريمة لا مبرر لها. تماماً كما هو احتجاز الرهائن وترويعهم وفصلهم بالقوة عن أسرهم وأعمالهم وتهديدهم بالقتل -وهو سلاح الضعفاء الذين لا يستطيعون الخروج من شرنقة الغاب وحقد التاريخ وثقافة رفض الآخر، بل وتشويه صورة الإسلام بتلك الأعمال التي لا يقرها الإسلام. كما أن قتل 37 من الرهائن الأجانب -كما جاء على لسان رئيس الوزراء الجزائري يوم الإثنين 21/1/2013- خلال عملية «إن أميناس» يكون في رقبة الرهائن الذين عكّروا صفو الحياة في تلك المنطقة إضافة إلى خمسة مفقودين من الأجانب؛ وسقوط 29 شخصاً من الخاطفين أيضاً دون مبرر. وهذا أمر سيثير الرأي العام العالمي ويوتر العلاقات ويزيد من الانتقادات ويخل بالحالة الأمنية ويضع البلاد تحت «المجهر الدولي»، خصوصاً إذا ما تكررت مثل تلك العمليات ومن نفس الجماعات في مناطق أخرى. إن عرقلة حياة الآمنين واختطافهم والعبث بمقدرات الشعوب وثرواتها الطبيعية تحتاج إلى وقفة جادة، كي لا يتسع النموذج ويتم تصديره إلى دول أخرى تنعم بالأمن والأمان. وهذا يتطلب تحصيناً جيداً لمثل تلك المواقع -خصوصاً في البلدان النفطية- التي يعتمد اقتصادها 100 في المئة على مثل هذه الثروة. ذلك أن انتشار مثل هذه العمليات سوف يثير المجتمع الدولي والدول المستوردة للنفط ومشتقاته، والتي حتماً ستتضرر من توقف تصدير النفط، ولا نستبعد أن يصار إلى استصدار قرارات دولية لحماية مناطق النفط بكافة الوسائل، بما فيها الإجراءات الأمنية والعسكرية، وهذا يُدخل العالم في مرحلة جديدة من الهيمنة قد لا ترتضيها الشعوب ولا الحكومات. ناهيك عن تأصيل الصورة النمطية عن المسلمين، وربطها بعمليات الإغارة والخطف والقتل، التي ما انفك الإعلام الغربي وأفلام هوليوود «يحتفي» بها! كما أن هذه الأساليب العقيمة من الاختطاف تذكرنا باختطاف الطائرات وترويع المسافرين الأبرياء، تماماً كما حدث في «غزوات» أميركا من قبل «القاعدة»، ومدى المضايقات التي لقيها العرب والمسلمون في أميركا وأوروبا نتيجة لتلك الأعمال. فكم هو الضرر الذي سيلحق بالشعوب إذا ما استمرت تلك الجماعات المتطرفة في أعمالها المخالفة للقوانين والشرائع؟ وكم ستكون الخسائر المادية إن توقفت عمليات إنتاج النفط والغاز؟ وكم هي الاحتجاجات التي سترتفع بضرورة تحمّل الدول النفطية لمسؤولياتها في حماية تلك الثروة الطبيعية التي يحتاجها كل العالم؟ إن إرباك إيقاع الحياة -في أي بقعة من العالم- يجب أن يُحاسب عليه القائمون به، وإن تأمين الحياة المستقرة والآمنة لكل البشر مسؤولية محلية ودولية في آنٍ واحد.