في الوقت الذي تظاهر عدد من أنصار السلفية الجهادية يوم الجمعة 18 يناير الماضي أمام السفارة الفرنسية لدى القاهرة رافعين الرايات السوداء ومنددين بما اعتبروه عدواناً على مالي، كان عدد غير معلوم، لكنه متزايد ممن يُطلق عليهم «جهاديون»، يواصلون تحركاتهم وتدريباتهم في سيناء. ولا يختلف أولئك الذين تزخر بهم مخابئ ومعسكرات تدريب تتواتر معلومات عن ازديادها في سيناء، وهؤلاء الذين يشاطرونهم التوجهات نفسها في مناطق شتى في مصر، عن «التوحيد والجهاد» و«أنصار الدين» و«تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وغيرها من الجماعات التي سبق أن استولت على شمال مالي مما دفع قوات فرنسية وأفريقية إلى التدخل العسكري، ولا عن حركة «الموقعين بالدم» التي نفذت عملية إرهاب نوعية ضد منشأة نفطية في الصحراء الجزائرية قرب مدينة عين أميناس. ورغم أن الفرق كبير بين حجم هذا النوع من الجماعات في مصر حتى الآن من ناحية، وفي مالي والجزائر ومنطقة الساحل الأفريقي بوجه عام من ناحية ثانية، يظل السؤال مطروحاً عن إمكانات تنامي حضورها في سيناء في ظل ضعف قدرات قوات الأمن المحدودة فيها وسهولة عبور الدعم إليها عبر الحدود. ولا يمكن إغفال دور الدعم الخارجي في تنامي قدرات جماعات العنف كما يتضح في حالات عدة منها حالة مالي الأكثر إثارة للاهتمام الآن. فقد أدى إسقاط النظام الليبي السابق إلى تدفق مقاتلي الطوارق المسلحين جيداً، والذين كان القذافي يستخدمهم مرتزقة، عبر الحدود الجنوبية حيث انضموا إلى قوميتهم المهمشة التي تحارب من أجل إقامة «دولة آزواد» في شمال مالي. وكانت جماعات «جهادية» هي الأكثر قدرة على استثمار هذا الوضع الجديد والسيطرة على شمال مالي عندما فرت وحدات الجيش المدربة على أيدي الأميركيين، وإقامة سلطة متشددة نشرت الذعر في أوساط قطاع واسع من السكان، مما أدى إلى فرار نحو 150 ألفاً إلى الدول المجاورة. فقد قدم قادة ومقاتلو هذه الجماعة أسوأ صورة يمكن تصورها لسلطة «دولة» على نحو أعاد إلى الأذهان مزيجاً من ممارسات حركة «طالبان» في أفغانستان و«تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» في العراق. ولم تقتصر هذه الممارسات على ترهيب السكان، بل شملت تخريب البنية الثقافية والحضارية والتراثية في أماكن تعتبر جزءاً من التراث الإسلامي في تمبكتو بصفة خاصة، وفي ديابالي. وازدادت قوة تلك الجماعات بعد أن التحق بها بعض جنود جيش القذافي الذين لم يعد لهم مكان في «ليبيا الجديدة». كما أصبح بإمكان هذه الجماعات، التي يوجد لبعضها وخصوصاً «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وجود في عدد من دول الساحل وشمال أفريقيا، أن تقدم دعماً في الوقت نفسه لحركات مماثلة في الجزائر استفادت بدورها من تحول الحدود مع ليبيا إلى معبر للأسلحة والمقاتلين. وربما يفسر هذا الدعم الطابع النوعي المميز لعملية اقتحام المنشأة النفطية الكبرى التي تعمل فيها ثلاث شركات نفط عالمية بريطانية ويابانية ونرويجية، بالإضافة إلى الشركة الوطنية «سوناطراك». ويعني ذلك أن الوضع السياسي الليبي السائل الذي يسمح بحركة مجموعات مسلحة وأسلحة عبر الحدود، كان له أثر مباشر في تمكين جماعات «جهادية» من السيطرة على شمال مالي ونجاح جماعة منها في تنفيذ عملية نوعية في الجزائر ترتب عليها احتجاز مئات الرهائن بينهم أكثر من أربعين من الأوروبيين والأميركيين وغيرهم من الأجانب العاملين في المنشأة التي تعرضت للهجوم. ولذلك تمثل الحدود الليبية المفتوحة على مصاريعها فرصة لدعم جماعات من النوع نفسه في مصر التي تدفقت عليها كميات من الأسلحة عبر هذه الحدود خلال الأشهر الماضية. ويبدو هذا التدفق هائلاً بالقياس إلى ما يتم ضبطه من أسلحة مهربة. والقاعدة العامة في مثل هذه الظروف هي أن ما تستطيع أجهزة الأمن ضبطه هو أقل مما يدخل فعلاً إلى البلاد. وليس هناك ما يبرر استبعاد إمكانية وصول بعض هذه الأسلحة إلى العناصر «الجهادية» التي يزداد حضورها في سيناء، رغم عدم وجود دليل مادي على ذلك حتى الآن. وتزامن هذا التدفق المرجح للأسلحة مع انتقال عناصر «جهادية» بين قطاع غزة وسيناء بشكل أسهل من ذي قبل، في ظل العلاقات الطيبة بين سلطة جماعة «الإخوان» في مصر وسلطة حركة «حماس» في القطاع. فقد أصبحت الصلات بين «الجهاديين» المصريين والفلسطينيين أكثر من وطيدة الآن. وهذه الصلات ليست جديدة. فكان هناك ما يدل على وجودها منذ منتصف العقد الماضي، وظهرت بعض ملامحها في الهجمات المسلحة ضد بعض المواقع السياحية في سيناء، والتي تواترت بصفة خاصة بين عامي 2004 و 2006، لكنها صارت أقوى بكثير الآن. ويثير ذلك سؤالاً كبيراً عن الأثر التراكمي المحتمل لهذه الصلات وما يقترن بها من تدفق «جهاديين» وأسلحة إلى سيناء، في ظل وجود قيادات وجماعات سلفية جهادية أخرى في القاهرة. فرغم أن هذه الأخيرة لا تمارس عنفاً ولا تحض عليه، فهي تقدم سنداً فكرياً وسياسياً غير مباشر لهذا العنف، بخاصة الجماعتان اللتان شُكلتا أخيراً، وهما جماعة «أنصار الشريعة» و«الطليعة المجاهدة». وكان تحرك هذه الجماعات في القاهرة ضد التدخل العسكري الفرنسي في مالي هو المؤشر الأكثر وضوحاً حتى الآن على العلاقة الوثيقة التي تربطها بالجماعات «الجهادية». فلم يقتصر هذا التحرك على إدانة «الحرب الفرنسية ضد الشعب المالي المسلم»، بل هددت بعمليات عسكرية قالت إنها ستطول كل الدول التي ساعدت فرنسا في هذه الحرب. كما كشف البيان الذي أصدرته أن لديها معلومات كاملة عن المجموعة المصرية التي شاركت في عملية اقتحام المنشأة النفطية في الجزائر، وأنها كانت تتبع «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» قبل أن تنضم إلى حركة «الموقعين بالدم» التي نفذت تلك العملية. كما ظهر هذا الارتباط عندما طالب زعيم «الموقعين بالدم» مختار بلمختار بالإفراج عن الزعيم الروحي السابق لـ«الجماعة الإسلامية» المصرية عمر عبدالرحمن، وكذلك الباكستانية عاطفة صديقي المسجونة في الولايات المتحدة أيضاً، مقابل إطلاق سراح اثنين من الرهائن الأميركيين. لذلك يبدو السؤال عن إمكانية تنامي الجماعات «الجهادية» فى سيناء بالغ الأهمية بالنسبة لمستقبل مصر في ظل سهولة حصول تلك الجماعات على الدعم عبر الحدود، وفي مناخ عام متساهل مع تحرك «الإسلاميين» بوجه عام.