بعد أن خرجت معلومات سرية للغاية حول هجوم إلكتروني أميركي على برنامج إيران النووي إلى العلن، توجه أوباما إلى غرفة الصحافة في البيت الأبيض للتنديد بالأشخاص الذين ألمحوا إلى أن التسريبات قادمة من مساعديه الكبار لشؤون الأمن القومي. وقال الرئيس: «إن الفكرة القائلة بأن (موظفي) البيت الأبيض قد يقومون بالكشف عن معلومات سرية تتعلق بالأمن القومي على نحو متعمد هي مهينة وخاطئة». حسناً، مكتب التحقيقات الفيدرالي، قد يختلف مع هذا الرأي. فقد أفادت صحيفة «واشنطن بوست» يوم الأحد بأن «إف. بي. آي» فتح تحقيقاً «كبيراً» مع «مسؤولين حاليين وسابقين مشتبه في تورطهم» في التسريب الذي يفيد بأن أوباما قد أمر شخصياً بشن هجمات إلكترونية على البرنامج النووي الإيراني باستعمال فيروس كمبيوتري يدعى «ستاكسنت»، ذلك أن تقرير «نيويورك تايمز»، الذي كان أول من كشف عن تفاصيل الهجوم الإلكتروني على برنامج إيران النووي، أشار إلى مصادره باعتبارهم «أعضاء في فريق الرئيس للأمن القومي كانوا حاضرين (في غرفة الأزمات)»، بل وذهب إلى حد أن نقل عن الرئيس سؤاله خلال اجتماع سري للغاية: «هل علينا غلق هذا الشيء؟»، علماً بأن مستشاري أوباما الأكثر ثقة هم الذين كانوا حاضرين عندما نطق بهذه الكلمات. واليوم، أخذ عدد من أعضاء تلك الدائرة الداخلية يستفيدون من الترقيات، فهذا نائب مستشار الأمن القومي «دنيس ماكدونو» رُشح للتو لمنصب كبير موظفي البيت الأبيض الجديد، في حين رشح «جون برينان»، مستشار محاربة الإرهاب في البيت الأبيض، ليصبح المدير المقبل لوكالة الاستخبارات المركزية، «سي. آي. إيه». ولكن مع وصول التحقيقات إلى مراتب عليا في الإدارة، فإن الأوان آن ليكشف البيت الأبيض عن الحقيقة ويخبر الشعب الأميركي عن مستشاري أوباما الكبار الذين يخضعون للتحقيق حالياً. صحيح أنه ليست ثمة جلسات لتثبيت كبير موظفي البيت الأبيض في منصبه، ولكن «برينان» سيمثل قريباً أمام مجلس الشيوخ في السابع من فبراير من أجل جلسة التثبيت. وإذا حظي ترشيحه لهذا المنصب بالموافقة، فإنه سيصبح مسؤولاً عن حماية أسرار بلدنا. وبالتالي، فإن الكونجرس لديه الحق في معرفة ما يعرفه – وما إن كان يخضع للاستجواب من قبل الـ«إف. بي. آي» ضمن التحقيق حول التسريب. على أن التحقيق بخصوص «ستاكسنت» ليس سوى البداية. ذلك أن وزارة العدل أيضاً تحقق حالياً بشأن الكشف عن الدور الذي لعبه عميل مزدوج، جُند في لندن من قبل المخابرات البريطانية، في إحباط مخطط قنبلة جديدة في الملابس الداخلية في اليمن. فإلى أي مدى وصل ذلك التحقيق ضمن التسلسل الهرمي للقيادة؟ وماذا عن الكشف عن معلومات سرية تتعلق بالضربات التي تقوم بها «سي. آي. إيه» بواسطة طائرات من دون طيار، مثل حقيقة أن أوباما يقوم شخصياً باختيار الأسماء على «لائحة المستهدَفين» الإرهابيين؟ أو تسريب معلومات سرية لـ«نيويورك تايمز» تتعلق بعملية سرية أخرى يقوم فيها «ضباط من «سي. آي. إيه» بالعمل بشكل سري في جنوب تركيا، حيث يساعدون الحلفاء على تحديد أي مقاتلين من المعارضة السورية في الجانب الآخر من الحدود سيتلقون الأسلحة لمحاربة النظام السوري؟» أو الكشف في فصل الصيف الماضي عن أن الولايات المتحدة تدرس إمكانية تنفيذ غارات سرية بواسطة «كومونادوز» أميركي- أفغاني مشترك ضد شبكة حقاني؟ أو الكشف عن معلومات سرية حول الغارة التي أدت إلى قتل بن لادن – والتي دفعت وزير الدفاع آنذاك روبرت جيتس لزيارة مستشار أوباما للأمن القومي في «الجناح الغربي» ونصح البيت الأبيض بـ«التزام الصمت». حين ننظر إلى كل هذه التسريبات، نجد أنها ليست مجرد تسريبات في الواقع، بل هي سيل من المعلومات السرية الخطيرة، وهو ما دفع مدير الاستخبارات الوطنية «جيمس كلابر» العام الماضي إلى القول إن سيل التسريبات هذا هو الأسوأ من نوعه الذي رآه خلال مساره المهني الاستخباراتي الممتد على مدى 30 عاماً. والعام الماضي أيضاً، قالت السيناتورة الديمقراطية دايان فاينشتاين، التي ترأس لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ: «إنني عضو في لجنة الاستخبارات منذ 11 عاماً، ولم يسبق لي أن رأيت أسوأ (مما أراه اليوم)». وفي ذلك الوقت، تعقبت «فاينشتاين» مصدر التسريبات وأوصلها ذلك إلى البيت الأبيض، فقالت: «أعتقد أن على البيت الأبيض أن يدرك أن بعضاً من هذا يأتي من صفوفه. لا أعرف من أين بالتحديد، ولكنني أعتقد أن عليهم أن يشرعوا في إدراك ذلك، ويفعلوا شيئاً ما بشأنه». واليوم، يبدو أن الـ«إف. بي. آي» يفعل شيئاً ما بشأنه فعلا. وعلى نحو مذهل، اشتكى مسؤول أشير إليه ضمن تقرير «واشنطن بوست» بشأن «التأثير الرادع على الحكومة بسبب هذه التحقيقات» التي تجعل الناس «منفتحين بشكل أقل على التحدث إلى الصحفيين». وهو شيء جيد في الواقع، لأنه حان الوقت لأن نجد شيئاً ما يجعل الإدارة الحالية «تلتزم الصمت»! وخلاصة القول إن المسؤولين الذين يقفون وراء «تسريبات أوباما» جعلوا «تسريبات ويكيليكس» تبدو كما لو كانت من فعل هواة – لأنها كشفت عن طرق ومصادر استخباراتية على نطاق لا يستطيع «جوليان أسانج» سوى أن يحلم به. ولذلك، يجب محاسبة المسؤولين عن ذلك – حتى إن كان لديهم مقعد في «غرفة الأزمات» إلى جانب الرئيس. مارك ثيسن محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»