في ما يلي سؤال سريع بالنسبة لمن كانوا جد منشغلين ولم ينتبهوا إلى النتائج المفاجئة للانتخابات الإسرائيلية: هل كان الموضوع الرئيسي في هذه الانتخابات هو: 1-علاقة نتنياهو مع أوباما؛ أم 2- ما إن كان ينبغي على إسرائيل أن تقصف المواقع النووية لإيران؛ أم 3- ما إن كان ينبغي إعادة إحياء عملية السلام الميتة؟ الجواب: لا شيء مما سبق ذكره، فموضوعا الحرب والسلام لم تكن لهما علاقة بتراجع الدعم الشعبي لائتلاف نتنياهو اليميني (الذي سيظل رئيسَ الوزراء مع ذلك، ولكن سيتعين عليه أن يعمل بجد من أجل استمالة شركاء جدد في الائتلاف). كما أن هذه المواضيع ليست هي التي أدت إلى صعود النجم الجديد المحسوب على الوسط يائير لابيد، الشخصية التلفزيونية الشابة والجذابة الذي جاء حزبه في المرتبة الثانية على نحو لم يكن متوقعاً، ذلك أن الموضوع الرئيسي للقادم الجديد كان هو وعده بوقف الإعانات والإعفاءات العسكرية الممنوحة لآلاف الإسرائيليين من طائفة الأرثوذوكس المتشددين. وهذا دليل إضافي على أن الإسرائيليين فقدوا الثقة في عملية السلام، وأخذوا يركزون على المشاكل الداخلية. ولكن الآن، وقد انتهى موسم الانتخابات الإسرائيلية (والأميركية)، ستفرض تلك المواضيع، التي تُركت على الهامش نفسها وستعود إلى الواجهة من جديد. والواقع أن الصحافة الإسرائيلية أخذت تتكهن منذ الآن بشأن الكيفية التي يستطيع نتنياهو أن يصلح بها علاقاته المتوترة المعروفة مع أوباما. وفي هذا السياق، قال ناعوم بارنيا كاتب العمود بصحيفة «يديعوت أحرنوت» في اتصال هاتفي معه من قبل «منتدى السياسات الإسرائيلي»: «إن دعم نتنياهو لرومني كان خطأ»، مضيفاً «لقد كان يعتقد أن فوز رومني سيزيد من فرص هجوم للولايات المتحدة على إيران وسيقلل الضغط بخصوص الموضوع الإسرائيلي- الفلسطيني. واليوم، ليس لديه خيار آخر غير التعامل مع أوباما». وحسب "بارنيا":"فإن نتنياهو سيذل قصارى جهده لتهدئة أوباما من دون تقديم أي تنازلات". وفي هذه الأثناء، أخذ الإسرائيليون يتكهنون بشأن أي دور يمكن أن يلعبه لابيد في إصلاح العلاقة. ولكن التوترات بين إسرائيل والولايات المتحدة لن تزول بسهولة، إذ رغم الدعم العسكري والدبلوماسي القوي الذي يقدمه أوباما لإسرائيل، فإن نتنياهو تحداه بشكل صريح حول إيران في الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، حيث جادلت إسرائيل بأنها حتى إذا اضطرت لشن هجوم بمفردها، فإنه لا بد من منع إيران من تطوير القدرة على تطوير سلاح نووي، وهو ما توقع الزعيم الإسرائيلي أن يحدث بحلول فصل الربيع. وفي هذه الأثناء، يضع أوباما، الرافض على نحو صائب لبدء حرب استباقية أخرى، خطاً أحمر لمنع إيران من تطوير سلاح نووي. ومن غير الواضح بعد ما إن كانت الانتخابات الإسرائيلية قد أفضت إلى تغيير في حسابات نتنياهو، علماً بأن بعض شركائه الممكنين في الائتلاف يجادلون بقوة ضد هجوم إسرائيلي منفرد على إيران. أما بخصوص عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية، فإن الانقسام يبدو أكثر وضوحاً. ذلك أن البيت الأبيض يدرك أن الاضطرابات الحالية في الشرق الأوسط تجعل من اتفاق سلام غير محتمل على المدى القريب، على غرار ضعف السلطة الفلسطينية ومواقف "حماس" التي تسيطر على غزة. غير أن تشجيع نتنياهو لبناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والقدس الشرقية يستبعد حل الدولتين على المدى الطويل تقريباً. كما يعزل إسرائيل دولياً ويضع مسؤولية المفاوضات المتعثرة على إسرائيل. ويشير تقرير لمنظمة "السلام الآن" الإسرائيلية بتفصيل إلى عمليات الاستيطان الواسعة والجديدة في مناطق معزولة من الضفة الغربية – في مقابل الكتل الاستيطانية التي تقول إسرائيل إنها تريد الاحتفاظ بها ضمن اتفاق سلام. كما انتقل نتنياهو إلى "تقنين" العديد من "المستوطنات العشوائية" التي تنص اتفاقات دولية وقعتها إسرائيل على إزالتها. وإذا تجول المرء بواسطة السيارة عبر الضفة الغربية، فإنه سيرى بسرعة كيف تجعل هذه المستوطنات و"المستوطنات العشوائية" من دولة فلسطينية متصلة جغرافيا أمراً مستحيلا تقريباً لأنها تفصل الفلسطينيين ضمن كانتونات، وهو ما يستدعي تشبيهها بدولة آبارتايد. غير أن تولي الحكومة الإسرائيلية الجديدة لموضوع الاستيطان يظل أمراً مشكوكاً فيه. ذلك أن حزب نتنياهو، "الليكود"، جنح إلى اليمين، وائتلافه سيشمل على الأرجح حزباً جديداً يدافع عن ضم الضفة الغربية. وعلاوة على ذلك، فإنه وعد بأنه لن تتم إزالة أي مستوطنة إذا ما أعيد انتخابه. وهكذا، فإن الكثير سيتوقف على ما إن كان بعض الشركاء الذين يستميلهم نتنياهو للانضمام إلى ائتلافه سيجعلون من المستوطنات مشكلة. ولكن حتى إذا فعلوا، فإن نتنياهو قد لن يستجيب. وإذا لم يفعل، فيمكن القول إن موضوع الاستيطان سيظل شوكة في العلاقات الأميركية- الإسرائيلية. عندما صوت مجلس الأمن الدولي الخريف الماضي لصالح التنديد بإسرائيل بسبب الاستيطان، كانت الولايات المتحدة واحدةً من ثمانية بلدان فقط وقفت إلى جانب إسرائيل. ولكن أوباما لم يتلق أي شكر: إذ بعد ذلك بوقت قصير، قدم نتنياهو مخططات- عارضها عدد من الرؤساء الأميركيين - للبناء في منطقة من الضفة الغربية من شأنها فصل وعزل المنطقة عن القدس الشرقية العربية التي يريدها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم. ولكن لنتأمل التالي: "إن إسرائيل تعتمد (الآن) على الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى"، يقول بانريا الذي يضيف "لأن إسرائيل تزداد عزلة في أوروبا، في وقت تتدهور فيه العلاقات تدريجياً نحو مقاطعة قد تعرِّض الاقتصاد الإسرائيلي للخطر". ---------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. انترناشونال»