بتاريخ 9 يناير كان الإبراهيمي، المبعوث الأممي إلى سوريا، خارج قبضة بشار، فتمكن من التعليق على خطابه الذي ألقاه في مواجهة العالم. قال الإبراهيمي: إنه خطاب أحادي الاتجاه، طائفي النزعة، وإن أية تسوية لن يكون الأسد أحد مفرداتها. ويقال إنه عامله بطريقة مهينة في زيارته الأخيرة، لكن المسألة أبعد من ذلك، إذ تتعلق بالجو الاستبدادي وبنزعة الطغيان لدى من يديرون الأمور. يقول ميشيل فوكو عن «تاريخ الجنون» إن استئصال الرحم عند المرأة مازال في اللغة الطبية يعني حتى اليوم «إزالة حالة الهستريا». لقد استأصل بشار المعارضة واختزلها بكلمة العصابة، لكن يا ترى من هي العصابة؛ المعارضة أم النظام القائم منذ أربعين سنة؟ أستاذ السوربون، البلغاري «تودوروف»، حين أراد فهم جبروت الاستعمار في تعامله مع الفريق الضعيف غير المسلح في أميركا الجديدة، وتحت تأثير الصدمات التاريخية، لم ير لرد الاعتبار والتكفير عن الذنوب التي اقترفت مع فتح أميركا أفضل من إهداء كتابه «مسألة الآخر» إلى المرأة الهندية؛ فخلال الحرب أسر القائد «آلونسو لوبيث دي آبيلا» هنديةً حسناء كانت قد وعدت زوجها بأن لا تكون لأحد سواه. وهكذا فإن أية محاولة للإقناع ما كان لها أن تنجح في ثنيها عن ذلك الوعد. لذلك فقد ألقوا بها إلى الكلاب الضارية المدربة على تقطيع اللحم. يقول «زيمباردو» إن الجلاد والضحية يقعان في حالة انكسار «رافعة القوة» فيختل توازنهما النفسي معاً، ويتحول كلاهما إلى مريض نفسي، وبالتالي فإن كلاً من القتلة الساديين والمعذبين المتمردين تتم برمجتهم في «نظام» مريض. يقول «فولفجانج شول»، من معهد هومبولدت في جامعة برلين: «إن هناك القليل من الأبحاث التي عُنيت بعلاقات القوة ولم تأخذ بعد أهميتها رغم تأثيرها في الحياة اليومية». وفي تجربة ستانفورد الشهيرة التي أجراها «زيمباردو» على السجانين والسجناء لم يخرج المتطوعون من هذه التجربة (البريئة) بدون أثر، بل بقوا إلى وقت طويل تحت تأثير الصدمة وهم يستعرضون شريط الوقائع حين تفنن السجانون في تعذيب الضحايا إلى درجة إغراقهم في قاذوراتهم الآدمية. إن وقائع سجن «تازما مارت» صدمت الضمير المغربي والعالمي جرّاء المأساة التي عاشها رجال في قبور حقيقية ولسنوات طويلة، وهي عينة من العالم العربي الذي يعيش أيام الباستيل قبل الثورة الفرنسية. إن تجربة «زيمباردو» لم تتكرر منذ عام 1971 سوى مرة واحدة على شكل فيلم في ألمانيا. ذلك أن «مالكي القوة» من الساسة ورؤساء الشركات ليسوا بهذه الدرجة من الغباء حتى يفتحوا ملفاتهم السرية لعلماء النفس ويخضعوا للسؤال، بحيث تكون مفاتيح سيطرتهم تحت ضوء الوعي وموضعاً للتحليل العلمي.