استمرار المهمة في شمال مالي... واستبعاد انخراط عسكري ألماني أبعاد المهمة العسكرية الفرنسية في شمال مالي، وتردد الحلفاء في الانخراط إلى جانب فرنسا، وتفاقم الأوضاع داخل سوريا، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. مهمة مبررة تحت هذا العنوان نشرت صحيفة لوموند تحليلاً سياسياً حول أبعاد المهمة العسكرية في شمال جمهورية مالي، مؤكدة أن التقدم الملموس الذي حققته القوات الفرنسية والمالية يفتح أفقاً جديداً لتحرير كافة الجزء الشمالي من البلاد وطرد الجماعات المتطرفة المسلحة التي تسيطر عليه منذ عدة أشهر، وخاصة أن إعادة توحيد الحوزة الترابية لتلك الدولة هو الهدف الرسمي والشرعي المعلن من طرف مجلس الأمن الدولي. وقد أدت الخسائر الفادحة التي مُنيت بها الجماعات الإرهابية المسلحة إلى إرباكها وإفقادها القدرة على تجميع صفوفها، ويرجح أن تسير الأمور في المراحل التالية من العملية في غير صالحها أيضاً، وخاصة أن الموسم غير المطير والظروف الجوية المناسبة للأعمال العسكرية، ولجمع المعلومات، كلها تصب في صالح القوات الفرنسية. وزاد الأمور إحكاماً للقبضة على تلك الجماعات إغلاق الحدود الجزائرية، وهو ما جعل الإرهابيين بين المطرقة والسندان، في مواجهة سيخسرونها في كل الأحوال. واعتبرت الصحيفة أن ضمان تحقيق العملية العسكرية في شمال مالي لأهدافها يفترض تضافر مجموعة من الشروط والظروف من ضمنها ضرورة تقدم دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا بقواتها التي استفادت من إمكانيات لوجستية ومساعدات في التدريب والتجهيز، وإن كانت مفاجأة هجوم الجماعات المسلحة الذي أدى لنشوب الحرب الراهنة لم تسعف بالوقت الكافي لإنجاز البرنامج التدريبي الذي كان مقرراً إفادة تلك القوات الأفريقية منه، بدعم من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومع هذا فإن الدفع بالقوات الأفريقية إلى شمال مالي على رغم عدم استعدادها بالقدر الكافي في ناحيتي التدريب والتجهيز لا يتسم سوى بأهمية رمزية. ومع هذا فإن القوات الفرنسية لن يكون عددها من الكثرة بحيث يكفي لضمان استمرار السيطرة على المناطق المحررة. وهنالك مخاوف من حصول أعمال انتقام. ولذا فإن وجود قوات كافية أمر ضروري لضمان عدم ارتماء شمال مالي مرة أخرى في أتون الفوضى والعنف. وفي ضوء حجم العملية في شمال مالي يذهب كاتب التحليل إلى أن طبيعتها مختلفة عن المهمة التي خاضتها فرنسا في البلقان أو ليبيا، فالمعلومات الاستخبارية في الحالة الراهنة أساسية، كما أن عدد الوجود العسكري الذي زاد على 2500 جندي جعل الانخراط أقوى وأكثر تماساً مع مفردات الواقع القائم على الأرض. وأكثر من هذا لابد أيضاً أن تعمل دول المنطقة على إيجاد تسوية مستدامة لمطالب وتطلعات الطوارق، وهم شعب من غير دولة، على الطريقة الكردية، ولذلك فقد عزفت الجماعات المتطرفة على هذا الوتر لاستغلال بعض الطوارق والدفع بهم إلى ما تكشف عن المأساة المالية الراهنة. كما أن على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي تفعيل برامجها الموجهة لمساعدة جهود التنمية ومحاربة العوز في منطقة الساحل التي تعتبر أفقر منطقة على وجه الأرض. وضمن تغطياتها الخبرية يوم أمس السبت أكدت لوموند أيضاً أن القوات الفرنسية والمالية تمكنت من تحرير مطار مدينة «جاو» وهي إحدى المدن الثلاث الرئيسية في شمال مالي، كما حررت جسراً على نهر النيجر في مداخل المدنية، ويرجح أن تستكمل عملية تحرير باقي المدينة خلال الساعات اللاحقة، وخاصة أن الطيران، بحسب ما أفادت وزارة الدفاع الفرنسية كان قد دك كافة مواقع الحركات المسلحة المتطرفة في المدينة، وقد أدى ذلك إلى توجه معظم عناصرها إلى أقصى الشمال الشرقي من مالي، هرباً من غارات الطائرات الفرنسية. تردد الحلفاء وفي سياق التعاطي الدولي، وخاصة من قبل حلفاء فرنسا، مع حربها الراهنة ضد الجماعات المسلحة في شمال مالي اعتبر الكاتب بيير روسلين في افتتاحية صحيفة لوفيغارو أن فرنسا ليس عليها أن تتحرك وحيدة في شمال مالي، كما أنه لا مبرر مطلقاً لاتهامها بأنها انطلقت منفردة في هذه المهمة الصعبة. بل إن بعض ما تردد من نقد وكلام عن عملية لم يتم الإعداد لها بالشكل المناسب، وبأن باريس لم تبذل الجهود الكافية لاستقطاب دعم دولي، كل ذلك يبدو اليوم في غير محله. ففرنسا انخرطت في هذه المهمة وسط تأييد دولي واسع لضرورة التصدي للخطر الذي تمثله الجماعات الإرهابية على الجميع دون استثناء. وقد عبرت مختلف العواصم الدولية والإقليمية عن تأييد لفظي صريح للمهمة الفرنسية، لأنه لا غبار عليها من ناحية الشرعية الدولية. وإن كان الدعم الدولي للمهمة اقتصر على حدود معينة، سياسية أو لوجستية، فلعل منشأ ذلك هو أن معظم حلفاء باريس اعتبروا ابتداءً أن هذه حرب تخوضها فرنسا تحديداً. وأنه لا شأن لهم بها بشكل مباشر. وقد بدا هذا الموقف من قبل حلفاء فرنسا الأقرب في أوضح صورة هذا الأسبوع بمناسبة مرور الذكرى الخمسين لمعاهدة باريس التي أسست للمصالحة الفرنسية- الألمانية. فقد عبرت المستشارة أنجيلا ميركل، وغيرها من المسؤولين الألمان، عن إشادتهم بدفاع فرنسا الشجاع عن المصالح الأوروبية المشتركة في تلك المنطقة من العالم، كما تقدموا بشكر حار للقوات المسلحة الفرنسية. ولكن المستشارة وبقية المسؤولين الألمان حرصوا أيضاً بشكل واضح على تأكيد استبعادهم للإقدام على أية مجازفة بدعم عملية عسكرية، يعتبرونها مع ذلك ضرورية. وهذا الموقف ذو مسحة ألمانية خاصة، حيث يسود هناك عادة رفض شعبي واسع للدخول في أية مغامرة عسكرية. ويفرض مبدأ ما يسمى «الجيش البرلماني» نيل موافقة «البوندستاج» سلفاً قبل أي إقحام للجيش الألماني في أية مهمة خارجية. وقد سجل هذا الموقف من قبل في حربي كوسوفو، وأفغانستان. ولكن أفريقيا شأن آخر، يقول الكاتب. وأخطر من هذا أن ظروف الأزمة المالية التي تطحن الدول الأوروبية الآن سيجعل كلاً منها يختبئ وراء الرفض الألماني، تهرباً من المشاركة إلى جانب فرنسا في المهمة العسكرية في شمال مالي. وقد يضيف معترض أيضاً على أي التزام أوروبي أننا لا يمكن أن نطلب من الشركاء الأوروبيين أن يشدوا أحزمة التقشف في الداخل وفي ذات الوقت نطلب منهم الإنفاق على حرب ضد الجماعات الإرهابية في الخارج. وكذلك ينبغي عدم الحساب كثيراً على دعم بريطانيا، وهي ثاني قوة عسكرية أوروبية، وقد اقتسمت مع فرنسا أعباء العملية العسكرية في ليبيا، فالمملكة المتحدة في عهد كاميرون تميل للانكفاء على نفسها، وقد دل على ذلك خطابه المتعلق بالاستفتاء حول استمرار عضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي. ولو كانت الولايات المتحدة دخلت على الخط بشكل فعال، لكانت المعادلة تغيرت بشكل جذري، ولكن أوباما لا يريد هو أيضاً إقحام أميركا في حرب أخرى. الأزمة السورية نشرت صحيفة لوموند تقريراً بعنوان «تحذير من السلاح الكيميائي في سوريا»، قالت فيه إن انشغال فرنسا، ومعها العالم كله بحرب شمال مالي أدى إلى ما يشبه نسياناً لاستمرار الجرائم التي يقترفها النظام السوري ضد المدنيين العزل، وقد أكدت الأمم المتحدة أن عدد ضحايا الأزمة السورية تجاوز 60 ألفاً، سقط عدد كبير منهم خلال الأشهر الثلاثة الماضية خاصة، في مؤشر على تصاعد أعمال العنف، وشدة البطش والقمع. وعلى عكس مالي، نستطيع أن نقول إن نظاماً سياسياً وحكومة هما من يلعب دور الإرهابي في الحالة السورية. فقد ارتكب نظام الأسد جرائم واسعة وشنيعة بحق مواطنيه. والأخطر من هذا أن الجرح السوري الفاغر، والمحنة التي تزيد تفاقماً تقابلهما الدبلوماسية الدولية بكثير من الجمود والركود والسلبية وعدم الفاعلية. وفي تقرير آخر لصحيفة ليبراسيون تحدثت فيه عن تكاثف نزوح السوريين بشكل ملفت خلال الفترة الأخيرة إلى دول الجوار في مؤشر واضح على تردي الأوضاع المعيشية والأمنية والإنسانية داخل الأراضي السورية، كما أن هذا المؤشر يؤكد أيضاً أن وتيرة القمع والعنف قد ازدادت بشكل غير مسبوق خلال الأسابيع الأخيرة بشكل خاص. وزادت الأمور سوءاً ظروف فصل الشتاء ومحدودية الدعم الغذائي والإنساني المتاح للمنظمات الدولية والوطنية الناشطة في مجال إغاثة اللاجئين والنازحين السوريين. إعداد: حسن ولد المختار