هجوم القرضاوي الأخير على دولة الإمارات العربية المتحدة دون سبب مقنع يدعو لذلك، أمرٌ أدهش الكثير من المراقبين والمحللين، فتنظيم الظلام الإخواني الذي يتولى القرضاوي دفّة رأيه الخاص والعام، ويعبّر عنه تعبيراً كاملاً، كناطق فعلي لا رسمي باسمه، برز كالنبت الشيطاني في بيئة خيانة أمانة التدريس التي أوكلت لمؤسسه حسن البنا، فاستغل هذه الثقة وانحرف بعمله الأساسي الذي يتقاضى منه ما يعيل به أسرته، ليتحوّل من مدرّس إلى محرّض، جمع حوله ثلة من المعلمين المنفلتين الباحثين عن شهرة، فاختاروا التلاعب بنصوص الدين منهجاً انقلبوا به على مناهجهم التي ظلوا يدرّسونها لسنوات طوال، وثاروا على الأزهر الشريف الذي تلقوا منه علومهم، وبسببه حازوا على تلك الوظائف، وبدأوا في نشر دعوتهم الإخوانية التي استغلت بساطة فهم البسطاء من الأميين وأنصاف وأرباع المتعلمين، وتعهدوا الطلبة وهم في مقتبل العمر بما يحيطهم من عدم الوعي وقلة الإدراك، فشحنوا عقولهم بالمادة الإخوانية العامرة بالتناقضات. هذا التنظيم الذي عمر تاريخه في كل مكان بالكثير من النقاط السوداء التي كشفت طبيعته العدوانية الجانحة لتدمير الأوطان والمجتمعات، والسعي لزعزعة الأمن والاستقرار وإشاعة الفوضى في كل مكان، أوقعته فعائله العدوانية السوداء في أحرج المواقف، وقاده فكره الصدامي للبقاء في جحور السرية لأعوام طوال عانت فيها المجتمعات كثيراً من انفلاتاته المتعددة التي أضرّت كثيراً بسمعة الإسلام والمسلمين في مختلف بقاع العالم، وطرحت الشخصية الإسلامية بطريقة شائهة، وتعمّدت مواصلة تسويقها بإصرار دعا الكثير من المراقبين والمحللين إلى الربط بينها وبرامج الماسونية العالمية البغيضة التي تمتاز بحقدها الدفين على المجتمعات وسعيها اللاعقلاني للسيطرة على الكون وإدارته بمزاجية خاصة، وتحكم يحوله للعبة إلكترونية تشعل فيها النيران وتطفئ وفق قوانين الاستمتاع باللعبة، لا المعايير العقائدية والأخلاقية المعروفة في سمة الفطرة الإنسانية العامة. ومع النشوة المؤقتة لما أسمته «الربيع العربي»، استيقظت جماعة الظلام الإخوانية على حقيقة مريرة هي انكشاف القناع عن وجهها الذي بانت كل ملامحه التناقضية المنفرة، فوصولها الحكم جاء عن طريق ذات الخيانة التي شكلت جيناتها الأساسية في سيرتها الأولى، فلقد خدعت الشعوب بمصطلح التغيير المبهم الذي لم يلمح منه غير الاسم، أما المعاني فتجلت في جرائم إنسانية تشيب لها رؤوس الولدان، فعبر آلتهم الإعلامية الغامضة التوجه تساعدها روافد إعلامية فاسدة أنشأها التنظيم، دفعت بالشباب الفتي إلى أتون معارك وهمية الهدف، وقلبت مفاهيم الفتاوى فباتت تقوم بتفصيلها حسب الحاجة والطلب، وتتراجع عنها وتتشدد في تحريمها حسب الحاجة والطلب أيضاً، في محاولة لنشر الإسلام الإخواني الذي يبشر مردته وأباطرته بالوصول إلى جنات السلطة، ويمنحهم مقدماً صكوك التسلط على البلاد والعباد، والعيش بين مجتمعاتهم كشعب الله المختار الذي لا تطاله القوانين ولا تحكمه الشرائع، وهو في سبيل الوصول لهذه الغاية تسبق «الميكيافيلية» عنده شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتسبق عندهم إقامة عرس الشهيد إقامة الصلاة، بينما تتقدم الرشى والمحسوبية عندهم فضيلة الزكاة، وتعلو قامة نهب مقدرات وخزائن الشعوب صيام رمضان، أما الحج فيكون في الاتجاه المعاكس لمفاهيم ما قبل الوصول لسدة الحكم، فهاهي ذا «دول الكفر» التي دفع التنظيم عبر فتاواه المتناقضة خيرة الشباب للموت في محاربتها، يحيلها وصوله للسلطة دولا يجب على الشعوب أن تتفهم ضرورات الارتباط بها وبفتاوى دينية تجب فتاوى العداء التي كانت تقتضيها ضرورات الوصول للحكم. فالوصول في شريعة الظلاميين حرب تتطلب الخدعة والحيلة والمكر والدهاء، ولا يضير التنظيم في محاولاته تطويع الأحداث الدينية لمصلحته الاستشهاد بحفر الخندق في جواز الخديعة، دون مراعاة للفوارق والشروحات والعبر والمعاني التي تجعل المفهومين يمضيان إلى الأبد في خطين متوازيين، أما فتوى ضرورة التمرد على ولي الأمر ومحاربته باليد أو الكلمة أو أضعف الإيمان، تمهيداً للفصل بين الشعوب وولاة أمرها، فسرعان ما تتحوّل إلى عدم جواز خروج الرعية عن أمر الراعي حتى لو كان ظالماً وفاسداً طالما وصل تنظيم الظلام الإخواني إلى السلطة. والباحث عن تناقضات هذا التنظيم تتعبه الرحلة دون الوصول إلى النهايات، لأن الإرث كبير بالفعل، والتنظيم يتعامل مع كل مرحلة من المراحل بحسب حاجتها من الفتاوى المفصلة التي يريد منها أن تضمن بقاءه على عرش السلطة باستمرار. وتبين جينات التنظيم الخيانية بجلاء في دول الخليج وعلى رأسها دولة الإمارات التي آوت أفراده حينما لفظتهم مجتمعاتهم، إنطلاقاً من مفهوم النظرة الإسلامية الإنسانية الواسعة لمؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، والذي احتضنهم حرصاً على حياتهم وإيماناً منه بأن الدم العربي أغلى من النفط ومن كل شيء، ووفر لهم ومن بعده خلفاؤه الميامين كل سبل العيش الرغيد، والبيئة الآمنة، وفضلوهم في بعض الأحيان حتى على أبنائهم في الوظائف والخدمات، فحاولوا عض اليد التي مدت إليهم النعمة، والتوغل في عمق المجتمع لنخره عبر إنشاء التنظيم السري، بعد السيطرة على مفاصل حيوية كالتعليم وجمعيات النفع العام، وتمادوا أكثر من ذلك فحاولوا دخول البيوت وتكوين تنظيم نسائي بجانب التنظيم الرجالي، وأخذتهم العزّة بما أسموه «الربيع العربي»، فداعبت عقول منتسبيهم أوهام استنساخه، لكن تصدّت لهم الدولة حكومةً وشعباً، وأبرزت أمامهم قوة وخصوصية تلاحم المجتمع بقادته، وحبه لوطنه، فانهزمت مخططاتهم، وباءت بالفشل محاولاتهم تفتيت المجتمع الذي أحسن إليهم. ومع عدم رضوخ الدولة للتدخل في القانون للإفراج عن رعايا التنظيم المصريين الذين وجدوا خلاياهم المتماسكة تتفكك بين عشية وضحاها، بدأ الهجوم يشتد من كل ناحية دون أن يتمكن من زحزحة الدولة عن موقفها، ما أفقد ماردهم الكبير (القرضاوي) السيطرة على نفسه، والثقة في تلامذته من مفصلي الفتاوى، فخرج بنفسه ليلقيها في أتون معركة لا شك أنها خاسرة، خاصة وأن الطرف الآخر هو «عيال زايد».