عادت أخبار العمليات الإرهابية تحتل مقدمة الأخبار العالمية خصوصاً بعد مقتل 38 رهينة أجنبية في العملية الإرهابية في الجزائر، كما سقط أكثر من 42 قتيلاً في انفجار انتحاري بمجلس عزاء في شمال العراق، وقتلت جماعة إسلامية متطرفة مجموعة من الأبرياء في نيجيريا. هذه الأحداث وغيرها دفعت بريطانيا وهولندا لمطالبة رعاياهم بمغادرة مدينة بنغازي في ليبيا، لأن الاستخبارات الغربية تتوقع تزايد وتيرة العنف في شمال أفريقيا. والسؤال: لماذا عادت وتيرة العنف والإرهاب في المنطقة مرة أخرى بعد تسلم الجماعات الإسلامية للسلطة في أكثر من بلد عربي؟ وما الجديد في الأحداث الدموية الأخيرة؟ الجديد والمقلق هو تحالف الجماعات الإسلامية المتطرفة مع القبائل في شمال أفريقيا، مما هيأ لبعض هذه الجماعات مهاجمة منشأة لمعالجة الغاز في جنوب الجزائر، كما هاجمت مدناً وقرى في مالي واستولت عليها بالقوة، الأمر الذي دفع فرنسا، وبدعم من المنظمة الدولية، للتدخل منعاً لحمامات الدم والإرهاب. عملية الجزائر أثبتت اشتراك إرهابيين ينتمون إلى أكثر من بلد عربي، بل كان بينهم أوروبيون. إن تحالف تنظيم «القاعدة» مع القبائل يعني أن الحرب ضد الإرهاب ستكون صعبة وأكثر دموية، خصوصاً إذا كانت الحدود بين الدول مفتوحة لتنقل القبائل البدوية من بلد لآخر. لكن هل نحن في الخليج في مأمن من شر «القاعدة»، خصوصاً وأن مؤسسيها أصلاً من الخليج؟ صحيح أن دول الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات وإلى حد ما الكويت، أعلنت حرباً ضد «القاعدة» وأنصارها، إلا أنه يوجد بيننا من يدّعون بأن إسلامهم وسطي ومعتدل وأنهم بعيدون عن التطرف والإرهاب، لكنهم عملياً يعملون على نشر أفكار التطرف الديني ويخدعون بعض النخب الحاكمة بأن عملهم ونشاطهم دعوي فقط ولمصلحة الإسلام وأن كل مطالبهم تنحصر في تطبيق الشريعة. بعض الدول تدعم جماعات الإسلام السياسي، خصوصاً «الإخوان المسلمين»، معتقدة بأن التحالف معهم سوف يقيها ويبعدها عن معارضة «الإخوان» لها. وقد ثبت من تجربة الكويت خطأ هذا الاعتقاد، فالحكومة الكويتية، وعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً، قرّبتهم وأشركتهم في الحكم... لكنهم ظلوا دائماً معارضين لها واكتشفت مؤخراً بأنهم المحرك الرئيسي للمعارضة، حيث لا زالوا يطالبون بالإصلاحات السياسية، ومنها تعيين رئيس وزراء شعبي. دولة قطر اتخذت موقفاً داعماً ومؤيداً لحراك «الربيع العربي» ودعمت الجماعات الإسلامية في ليبيا، كما تدعم اليوم حكومتي مصر وتونس، وتدعم «الجيش الحر» السوري، حتى بعد أن انكشف تزايد دور «الإخوان» و«القاعدة» بين الثوار السوريين. الأحداث الأخيرة في الجزائر ومالي وعودة عمليات «القاعدة»، تضع دول الخليج أمام حقيقة جديدة، خصوصاً بعد إعلان الرئيس المصري رفضه التدخل الغربي في مالي، مما يعني أن «الإخوان المسلمين» يتعاونون مع «القاعدة» بطريق غير مباشر. هذا الموقف المصري الجديد يضع دول الخليج التي تدعم حكوماتها مصر الشقيقة، في موقف حرج، خصوصاً بعد إعلان فرنسا بأن تدخلها في مالي باسم المجتمع الدولي. علينا في الخليج أن نعي بأن أحداث مالي وعمليات «القاعدة» ودعم «الإخوان» لها، يتطلب معالجة جادة تسعى إلى تجفيف منابع الإرهاب في بلداننا، وكذلك معرفة من يمول الإرهابيين ومن يدفع شبابنا الخليجي للعمل الجهادي في سوريا وغيرها. وأخيراً يخطئ من يظن أن أحداث مالي لا تخصنا، فما يحدث في مالي اليوم نموذج مصغر لما قد يحدث في اليمن قريباً.