كغيري من ملايين البشر المهتمين بالشأن العام، تابعت مراسم أداء أوباما ونائبه مراسم القسم الدستوري للمرة الثانية من حكمه للولايات المتحدة، هذا القائد الذي صنع تاريخاً لنفسه مرتين عندما انتخب كأول رئيس من أصول أفريقية، وعندما جدد له الشعب الأميركي الثقة، ففاز للمرة الثانية بمنصب الرئاسة وهي حالة لا تتكرر كثيراً في بلد تعود على التغيير، لكن ما قدمه الرئيس الأميركي لوطنه وللعالم جعله يستحق هذه الثقة مرة أخرى. فبعد سنوات من الاقتصاد المتهاوي بسبب حكم من سبقه، والذي أدخل أميركا في حربين هما حرب العراق وأفغانستان، إضافة إلى مشاريع حروب حول العالم، كان مخطط لها، ورث أوباما البيت الأبيض بعجز فلكي في الميزانية الاتحادية وأزمة اقتصادية خانقة، وصفوف من العاطلين عن العمل متزايدة وصحة لم ينل كل الشعب الأميركي حظه منها، ورث هذا القائد الحكم وبلاده دخلت في غيبوبة ألمت بها حتى ظن البعض أن نجم أميركا آخذ في الأفول، فاستطاع بحكمة القائد ودعم نائبه له أن ينعش قلب أميركا من جديد، كي ينتفض كل الجسم وتدب فيه الحياة. نعم مازالت أميركا تعاني من أزمة الغيبوبة التي مرت بها، لكنها في تصوري قد خرجت من مرحلة الخطر التي تسبق الموت، إلى مرحلة التعافي من جديد، لكن لماذا نجحت أميركا سؤال لابد أن يعالج. الولايات المتحدة الأميركية حضارة بشرية نجحت في الاستفادة من مميزات الحضارات السابقة، وتجاوزت أسباب سقوطها، وهي نواميس في الكون وضعها الله تعالى في بني البشر لا تفرق بينهم حسب معتقداتهم. من أخذ بهذه القوانين كان من الناجين، ومن عارضها هلك حتى ولو كان من المسلمين، هذه المقولة لشيخ الإسلام (ابن تيمية ) في الفتاوى (فى رسالة الحسبة)، فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّ عَاقِبَةَ الظُّلْمِ وَخِيمَةٌ وَعَاقِبَةُ الْعَدْلِ كَرِيمَةٌ وَلِهَذَا يُرْوَى: «اللَّهُ يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلَا يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً ». نعم فإن بعض دول الإسلام اليوم لا تطبق العدل الذي تطبقه أميركا على الأميركيين ، وكلنا يتذكر المرأة التي قادت كلينتون لمحاكمة في الكونجرس كاد أن يفقد فيها رئاسته. الجانب الثاني في تميز أميركا، يكمن في حرية الإنسان الأميركي، فقد كرر أوباما في خطابه مقولة ولد الإنسان كي يعيش حراً، والتي تلاها في إعلان استقلال الولايات المتحدة بصياغة توماس جيفرسون وجون آدامز. خُلق الناس متساوون، وقد منحهم خالقهم حقوقاً غير قابلة للتصرف فيها. بين هذه الحقوق: حق الحياة، والحرية، هذه الحرية تجعل الإنسان مبدعاً عاملًا جاهداً. ألا يذكركم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقول: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً». العدالة والحرية ركيزتان لتقدم الأمم والشعوب، ثم يأتي العلم الذي ذكره الرئيس الأميركي أكثر من مرة في حديثه في حق الأميركي في التعلم، فهل علمتم أمة تقدمت في الحضارة بجهل مطبق، ذلك العلم الذي يفتح أبواب الإبداع على مصراعيه، ويحرك عجلة الاقتصاد للأمام، وبالذات ونحن في عصر اقتصاد المعرفة. الأمر الأخير الذي جعل أميركا تتقدم هو التقويم المستمر للأداء بما في ذلك أداء الرئيس الذي يراقبه ممثلو الشعب في الكونجرس وجماعات الضغط المختلفة، فإن لم يفعل الرئيس ما يستحق بقاءه جاءت صناديق الاقتراع بعدم انتخابه.