هذا الشهر عدتُ إلى الإمارات من أجل تدريس دورة قصيرة بجامعة نيويورك أبوظبي في تجربة لافتة ومميزة. وكان طلبتي الـ13 ينتمون إلى 10 بلدان ويشكلون مجموعة واعية بذاتها وفصيحة على نحو رائع. هدفنا في الدورة كان دراسة جذور الانقسام بين الشرق والغرب وبحث سبل جسر الهوة. ولهذا الغرض، درسنا الهوة المعرفية التي تفصل بين العالمين إضافة إلى بعض الأساطير والصور النمطية السلبية التي حلت محل المعرفة الحقيقية. وراجعنا بيانات استطلاعات رأي تشير إلى نقص المعلومات وعمق انعدام الثقة بين الشرق والغرب، ثم ركزنا على أخطاء السياسات التي تعزى إلى سوء الفهم، والدور الذي تلعبه السياسات السيئة في تعميق هذا الانقسام. ولعل الأمر الذي كان مشجعاً بشكل خاص هو القدرة التي أظهرها العديد من طلبتي على تطبيق الدروس التي كانوا يتعلمونها على أوضاعهم الخاصة الفريدة. فسواء أكانوا من تركيا أو هنغاريا أو ترينيداد وتوباغو أو كندا أو باكستان، فقد استطاع المشاركون في الدورة اقتسام الملاحظات وتسليط الضوء على الدور الذي تلعبه الصور النمطية والسياسات في زيادة التوترات على الصعيد العالمي. وفي نهاية الدورة، التقى الطلبة لوحدهم في جلستين منفصلتين وقاموا بإعداد «دورس حول جسر الانقسام بين الشرق والغرب». وكانت الحصيلة النهائية لعملهم مفيدة جداً وعميقة إلى درجة أنني وجدت أنها تستحق أن يتم تقاسمها مع القراء من أجل التأمل والتعليق عليها. بدأ الطلبة «دروسهم» عبر الإشارة إلى الهوة العميقة التي تفصل العالم العربي والغرب، لافتين إلى أن «الصور النمطية انتشرت وتجذرت بينما حصد العنف أرواحاً على كلا الجانبين، وأحدثت الحرب جروحاً أعمق مما يمكن علاجه بسرعة». ورأوا أن إحدى الخطوات الأولى الأساسية نحو جسر الانقسام تكمن في اعتراف الزعماء والمواطنين على حد سواء بأنه موجود وإدراك أنه «لا يحيل إلى اختلافات جوهرية بين الناس من حيث القيم والأفكار والثقافة. وبدلاً من ذلك، فإنه يقوم على سوء الفهم والأحكام المسبقة التي تحول دون إدراكنا للاختلافات فيما بيننا». كما أشاروا إلى أنه «في أحيان كثيرة جداً، يُعرَّف العالم العربي والغرب من حيث اختلافاتهما». ولكن عند التدقيق أكثر نجد أنه نتيجة للتجارة أو الاستعمار أو الهجرة أو العولمة أو السفر، نكتشف قصة تاريخية مشتركة للترابط والاعتماد المتبادل. وهذا الفهم يمكن توسيعه من خلال برامج وتبادلات ثقافية. كما اعتبر الطلبة أنه من المهم أيضاً «التمييز بشكل واضح بين السياسات الحكومية ومواقف الشعوب؛ كما ينبغي التركيز على الحياة اليومية للأفراد في كلا المجتمعين، وليس فقط على الأحداث الاستثنائية التي تبث من المنطقتين». ومن الأكيد أن التعليم أساسيٌّ من أجل خلق هذا الوعي الأعمق، ليس كوسيلة لغاية ما، ولكن كعملية تتطور بشكل مستمر على المستويين الشخصي والوطني. وكمثال لما ينبغي القيام به، اقترح الطلبة توسيع برامج الدراسات الشرق أوسطية والغربية المتاحة للطلبة في كلتا المنطقتين و«مزيداً من برامج التبادل، والشراكات بين المدارس، والمؤتمرات التي تجمع الطلبة والكبار من بلدان مختلفة للتعاون حول سلسلة واسعة من المواضيع». كما يرى طلبتي أن طريقة أخرى لتشجيع فهم أعمق تكمن في الاستعمال المسؤول لوسائل التواصل الاجتماعي التي يمكن أن تغذي تفاعلاً عالمياً فورياً، إذ توافرت للأفراد إمكانية الوصول بشكل مباشر إلى جمهور أوسع. ومثل هذا التواصل يمكِّننا من الاستماع إلى قصص الناس وتقديمهم الخاص لقصصهم الشخصية -الأمر الذي يعوِّد المشاركين على تصورات بعضهم بعضاً للأحداث و«العلاقات التي توجد بين هذه التصورات والتقاليد والثقافة». غير أنه حتى يتحقق تقدم بخصوص علاج الانقسام، يجب أن يكون ثمة أولًا تواضع «وإدراك بأننا لا يمكن أن نكون محقين إذا لم نكن نخطئ... فنحن جميعاً نتطلع إلى مستقبل أفضل، ولكن التغيير لا يمكن أن يبنى بدون فهم واقعي لماضينا... ولذلك، يجب أن نتحلى بالشجاعة لنستمع، ولنكون منفتحين، ولنخطئ، ولنضع جانباً أدوارنا المعتادة كمعتدٍ أو ضحية لنصبح شركاء متساوين لديهم هدف مشترك». ولكن الأمر غير المقبول، كما يقول طلبتي، هو الجهود الرامية إلى «وصف الأفراد الذين يعترفون داخل كل مجتمع بالعيوب والأخطاء... بأنهم «خونة» أو «يلتمسون العذر للآخرين»... إن سياستنا ستزداد قوة وعلاقاتنا ستتحسن أكثر إذا استطعنا أن نبدي تعاطفاً تجاه بعضنا بعضاً عبر الاعتراف بعيوبنا الخاصة». وفي الأخير، خلص طلبتي إلى أنه من المهم مقاربة هذا الأمر برمته بـ«طموحات واقعية»، مشيرين هنا إلى أن أوباما وضع خلال خطابه الشهير في القاهرة «معياراً جديداً للوعي الأميركي بتعقيدات وواقع العلاقات الأميركية- العربية. ولكن هذا الفهم لم يعكس تعقيدات السياسة الداخلية والآراء داخل الولايات المتحدة؛ ولذلك، تحول في الأخير إلى مصدر لخيبة أمل». ولتفادي هذا الخطر، من المهم أن يفصل الزعماء «بين ما هو براجماتي وما هو مثالي» وألا يقترحوا أكثر مما يستطيعوا «الوفاء به على نحو واقعي». في كتابه «كيف سيصبح حالُنا»، يصف شقيقي جون شباباً من 18 إلى 29 عاماً باعتبارهم «العالميين الأوائل»، لافتاً إلى أنهم «أكثر جيل انفتاحاً وتسامحاً في التاريخ». وبعد مرور بضعة أيام على بدء الدورة، كنت أجلس وأستمع إلى طلبتي وهم يناقشون الموضوع. وأجدني أستحضر كلام جون؛ فقد كنت أتعجب من تفاؤلهم ورؤيتهم وحس التعاون الذي يميزهم. وكنت أشعر بالثقة بأنهم قد يصبحون بالفعل الجيل الذي سيعالج الانقسامات التي ورثوها عن الأجيال التي سبقتهم.