أثناء إدلائها بشهادتها أمام الكونجرس الأميركي، يوم الأربعاء الماضي، قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إن الهجوم الذي استهدف البعثة الدبلوماسية لبلادها في مدينة بنغازي الليبية العام الماضي «يمثل جزءاً من تحد استراتيجي أوسع بالنسبة للولايات المتحدة ولشركائها في شمال أفريقيا»، وذلك نظراً لتزايد التطرف العنيف هناك. والواقع أن هجمات الإرهابيين الإسلاميين، سواء في ليبيا أو مالي أو الجزائر، تُظهر أن الولايات المتحدة باتت الآن في موقف دفاعي، حيث يتعين عليها أن ترد على تهديد كبير آخر للمصالح لأميركية بدلا من اتخاذ مقاربة استباقية. غير أن نظرة واحدة إلى خريطة المنطقة تشير إلى شريك بديهي وخيار دائم لمواجهة ذلك التهديد. ذلك أن المغرب بلد تقدمي ومستقر ويعتبر أقدم وأرسخ حليف للولايات المتحدة في هذه المنطقة الواسعة. وفي منطقتي شمال أفريقيا والساحل، من موريتانيا إلى الجزائر وتونس وليبيا ومصر ووسط أفريقيا، يتميز المغرب باستقراره، وأمنه، وإصلاحاته السياسية والاقتصادية التقدمية. وعندما ينظر المرء إلى المنطقة، يجد «قوس اضطرابات» مزعجاً يمتد من القرن الأفريقي إلى الساحة الجديدة لتنظيم «القاعدة» في شمال مالي، لكنه ينتهي عند حدود المغرب. ذلك أن المنطقة الصحراوية من المغرب لا تنعم بالهدوء فحسب، وإنما كذلك تحقق تقدماً إلى الأمام في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لكن الأهم من ذلك هو أن المغرب يعمل بشكل حثيث على زيادة اقتسام السلطة داخل حدوده. هذا التباين فهمته بشكل أوضح من خلال تقرير جديد صدر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب، الذي يركز على تحديد المخططات المغربية على نحو استباقي من أجل تطبيق سياسة جديدة في أقاليمه الصحراوية. تقرير يجدر بأي صانع للسياسات يتعامل مع منطقة شمال أفريقيا أن يقرأه باهتمام، لأنه يناقش بشكل صريح الحاجة إلى نقل السلطة من المركز إلى الجهات، على نحو يشبه إلى حد ما النظام الفيدرالي الأميركي، وذلك من أجل تلبية احتياجات مواطنيه على نحو أفضل. والواقع أن اقتراح ملكية دستورية مثل المغرب لمثل هذا النقل للسلطات، هو بحد ذاته أمر مذهل؛ لكن اللافت للانتباه، وبالقدر نفسه، هو الصراحة التي يعترف بها المجلس بالتحديات التي ينبغي التغلب عليها. فالمغرب يعمل منذ سنوات على خلق الاستقرار والتقدم الاقتصادي والاجتماعي لسكانه الصحراويين. واليوم، يقف المجلس وقفة تأمل من أجل تقييم ومعرفة أين أصابت البلاد وأين أخطأت بخصوص تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في منطقة الصحراء خلال العقود القليلة الماضية. ولهذا الغرض، يقول المجلس إنه يعتزم عقد أكثر من 50 اجتماعاً مع كل الأطراف المعنية في الأقاليم الصحراوية، بما في ذلك المسؤولون الحكوميون المنتخَبون، ومنظمات المجتمع المدني، والشركات العاملة، وشيوخ القبائل، وزعماء آخرون. ويؤكد أن لا أحد سيُحرم من التعبير عن آرائه والإدلاء بدلوه في هذا النقاش. على أن يشكل ذلك أساساً للإجراءات والتدابير التي سيوصي المغرب باتخاذها من أجل تحسين النمو، والحكم التشاركي، والاندماج الثقافي. لذلك، يتعين على أميركا أن تدعم هذه المبادرة الداخلية التي يقوم بها المغرب وأن تتعاون معه في المنطقة. منطقة شمال أفريقيا لديها أدنى تجارة إقليمية بينية في العالم، وهو ما يكلف كل بلد أكثر من 2 في المئة من الناتج المحلي الخام، وفق معهد بيترسون للاقتصاد الدولي. وهذا الأمر له تداعيات كبيرة جداً على شعوب تحتاج إلى الوظائف والنمو والوصول إلى الأسواق العالمية. لذلك، فإن من شأن قدر أكبر من الاندماج الاقتصادي في المنطقة أن يساهم أيضاً في تحقيق مزيد من التفاعل السياسي والتعاون الأمني، ومن ذلك حماية السيادة الترابية والحدود، وهي مشكلة كبيرة جداً في منطقة الساحل وتعتبر عاملا مساهماً في الإرهاب والتهريب. إن التباين بين ما يقوم به المغرب في أقاليمه الصحراوية والاضطرابات التي تحدث في منطقة الصحراء والساحل الكبيرة قوي جداً. ذلك أن المغرب أثبت أن انفتاحه السياسي والاقتصادي خلال العقود الثلاثة الماضية حقق الاستقرار عبر البلاد، علماً بأن المغرب لم ينته من هذه العملية بعد. وعلاوة على ذلك، فإن قيادته تشدد على أنه لا توجد تابوهات لا يمكن مناقشتها في وقت تدرس فيه بشكل صريح الوضع في الأقاليم الصحراوية بعين تنظر إلى المستقبل. وهذا النوع من التفكير هو ما يتعين على أميركا أن تدعمه، في المغرب وبقية المنطقة. لذلك، يمكن القول إن لدى الولايات المتحدة فرصة حقيقية للتعاون مع المغرب من أجل معالجة المشاكل الإقليمية وبناء نموذج للتنمية يستطيع استباق مشاكل منطقة شمال أفريقيا قبل أن تتفاقم. إدوارد جابرييل ----------- سفير الولايات المتحدة في المغرب من عام 1997 إلى 2001 ----------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»