مرّت مع بداية شهر يناير المناسبة السنوية الـ150 على تحرير العبيد في أميركا، بعد أن أصدر إبراهام لينكولن إعلان تحرير العبيد في الأول من يناير عام 1863، الذي بموجبه اعتَبر كل العبيد في المناطق الاتحادية -هنالك مناطق متمردة يومذاك- أحراراً إلى الأبد. وفي عام 1865 تم تعديل الدستور كي يشمل التحرير كافة العبيد في كل أنحاء الولايات المتحدة. وكان الدين الإسلامي العظيم قد حرر الناس كلهم من الاستعباد قبل 15 قرناً، حيث أكد القرآن الكريم والسنة النبوية على حرية الناس، وقال الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه قولته الشهيرة «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً». وقضت عدالة الإسلام على أن جميع الناس متساوون في الحقوق والواجبات، مهما كانت أوضاعهم الاجتماعية ومكانتهم الإدارية وظروفهم الاقتصادية. والسواسية هذه كانت الورقة السحرية التي اجتذبت إليه شعوباً وقبائل عربية وأعجمية منذ ظهور الإسلام، الذي قضى على كافة أنواع الرق. كما تم تحرير الناس من الطبقية والتقسيمات الاجتماعية التي مورست عليهم في أنحاء متفرقة من العالم بعد الفتح الإسلامي. والحرية نعمة وهبها الخالق للإنسان، وهي حق مكتسب لا يمكن لأي جهة حرمان شخص منها، وهو ما أكده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر عام 1948؛ حيث جاءت موادهُ الثلاثون لتوضح أحقية الإنسان في حريته في كافة مناحي الحياة. والحرية تعني الاختيار، وتحمل مسؤولية التوجه أو التصرف، دون أن تصطدم تلك الحرية أو تتعارض مع حريات الآخرين، أو تحرمهم منها. وهكذا جاءت القوانين الأرضية كي تقنن هذه الحرية! ومن هنا بدأت الاختلافات في «تفصيل» ممارسة الحرية! وكان حصان السبق في هذا المجال للسلطة، التي كانت بمثابة «الخياط» الأول أو «المصمم» الأول لشكل الحرية في كل مجتمع. وكانت حرية التعبير كأنها الخصم الأول للسلطة في بعض المجتمعات. فصار أن قام «دهاقنة» القانون بتصميم أُطرٍ ومقاربات تحد من حرية التعبير وتقتصرها على لهجة المديح وحظر النقد السليم الذي قد يفيد المجتمع. وعانى مجتمع العالم الثالث أحياناً من فقدان ثقافة المواطنة، ليس في مجال حرية التعبير فحسب، بل في ممارسة المواطنة وحق اكتسابها وممارستها ضمن القانون. وتعرّض العديد من أصحاب الرؤى التنويرية -في العالم الثالث- لشتى أنواع التخوين والاتهامات بتعريض البلدان لأخطار، وأحياناً أيضاً يقوم بعض الأفراد والجماعات بـ«تكفير» أصحاب تلك الرؤى -التي ربما تخالف تراث العادة في تصميم الرسائل الإعلامية- تماماً كما حصل لدعاة النهضة في العالم الإسلامي والعربي عندما حاولوا التحدث عن زوايا مظلمة في مجتمعاتهم، وحاولوا تبديل «العادة» في تلك المجتمعات. إن جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وسعد زغلول ورفاعة الطهطاوي وغاندي ومارتن لوثر كينج ونيلسون مانديلا، وغيرهم من الوطنيين الذين حاولوا تبديل «العادة» أو رفض واقع الحال مع السلطة المحتلة أو القائمة، تمت مقاومتهم ومحاربتهم، لأنهم فكروا من أجل مستقبل آخر وواقع جديد يرتقي بالشعوب من أوضاعها التراتبية والمؤدلجة وإخراجهم من إسىار المعاناة. وجاء القرن العشرون كي يُعيد فكرة «تعبيد» الإنسان أي تشكيله وفق جيناته ولون دمه ووضعه الاجتماعي والمالي، وللأسف جاءت هذه الفكرة في العصر الحديث حتى في وجود الاستعمار الذي كرّس تلك الفكرة في مناطق عدة من العالم العربي. كما برزت الفكرة بعد سقوط النظام العراقي السابق، وبعد الأحداث في بعض المناطق العربية، وتم شطر المجتمع الواحد إلى «كانتونات» صغيرة، أكبرها يأكل أصغرها مثلما يحصل في مجتمع سمك المحيط. وللأسف، لم تحم القوانين الوضعية الإنسان، في بعض الحالات، من فكرة التنميط المجتمعي ومن إعادة استعباده -بصورة خفية- لا يشعر بها إلا هو. وقد يجد الأفراد أنفسهم في زاوية الإهمال لأنهم خرجوا عن دائرة الاستعباد، وجاهروا بأن تكون لهم كرامة مثل بقية البشر، كما يقر بذلك الدين العظيم. فكرة الحرية لا تُمنح من الغير، بل يكتسبها الإنسان مع الصرخة الأولى! لأن هذا الإنسان عندما صرخ تلك الصرخة لم يكن يعرف القانون ولم يكن يعرف إلا حقه في الصراخ حتى لو أزعج من حوله؛ على رغم أن كل من حوله فرحون بتلك الصرخة! فهل يعي هذا العالم المعاصر أن الناس أحرار فيما يفكرون به، وفيما يقومون به، شرط ألا يُسيئوا للآخرين، وألا يتعدوا على القوانين النافذة، وألا يتنازلوا أيضاً عن حريتهم!