دورة الخليج العربي لكرة القدم «خليجي 21» لم تكن كغيرها من الدورات العشرين السابقة، فقد كانت ذات طابع كرنفالي واجتماعي واقتصادي مميز، إذ رغم أنني حضرت العديد من الدورات السابقة، إلا أن «خليجي 21» حمل جوانب عديدة، إذ لم أرَ من قبل تلاحماً ومودة، كالذي رأيته بين الشعبين الإماراتي والبحريني، فالمباراة النهائية التي توج فيها منتخبنا الوطني بالبطولة كانت عرساً حقيقياً وأبقانا في الملعب لساعات طويلة، أما الاحتفالات، فقد استمرت في شوارع البحرين حتى بزوغ الفجر والكل متوشح بالعلم الإماراتي الزاهي. ولأول مرة يخامرنا الشعور، بأننا في مدينة إماراتية ولكن خارج حدود الإمارات، فالمنامة ومدن البحرين الأخرى اكتست طابعاً إماراتياً بكل معنى الكلمة، كثافة السيارات الإماراتية وتواجد المواطنين في الأماكن العامة والعلم الإماراتي يرفرف في كل مكان، وفيما عدا كلمة الإمارات، فإن أكثر الأسماء تداولاً من قبل الجميع، هو اسم زايد. أما بالنسبة للبحرين، فإن الدورة أعادت إليها الكثير من رونقها السابق الذي تأثر بالأحداث المفتعلة منذ عام 2011، وخصوصاً أن المعارضة لجأت إلى التخريب الاقتصادي، وذلك بعد أن فشلت الأساليب الأخرى، كرمي الزيت في الشوارع لقتل الأبرياء، بمن فيهم الأطفال وطلبة المدارس ومحاولات حرق المنشآت العامة والإيحاء للمستثمرين والشركات ورجال الأعمال، بأن البحرين بلد غير آمن. وضمن محاولة التخريب الاقتصادي تركز المعارضة على المناسبات الرياضية على اعتبار أنها تحمل طابعاً عالمياً وتجذب إليها وسائل الإعلام وجماهير غفيرة، فقبل دورة الخليج جرت محاولات لتشويه مسابقة «الفورمولا-1» التي حققت نجاحاً باهراً، مثلما حققت دورة «خليجي 21». وتبدو عملية التخريب الاقتصادي غريبة وتحمل العديد من علامات الاستفهام، إذ إن الخسائر في هذه الحالة لا تخص الأجهزة الرسمية، وإنما كافة مكونات المجتمع، بمن فيهم المحسوبون على المعارضة، ففقدان فرص العمل وزيادة البطالة الذي قد ينجم عن محاولات «تطفيش» الشركات والمؤسسات ومحاولة شل الحياة الاقتصادية سيشمل الجميع، بمن فيهم المنتمون إلى المعارضة، أي إنهم يتصرفون، كمن يدمي عينه بيده. وتثبت مسألة نجاح «الفورمولا-1» ودورة الخليج فشل استراتيجية المعارضة البحرينية التي يتم الترويج لها من خلال فضائيات ووسائل إعلام إقليمية لا تتمنى الخير لدول مجلس التعاون الخليجي، التي أثبتت أنها هي الأفضل في معدلات التنمية ورفاهية الإنسان من بين كافة دول المنطقة. أما السبب الآخر لفشل هذه الاستراتيجية، فيكمن في هيكلية الاقتصاد البحريني الصغيرة نسبياً، إذ لو افترضنا جدلا أنهم استطاعوا شل حركة الاقتصاد -وهذا أمر مستحيل على اعتبار أن معظم مكونات المجتمع البحريني تسعى إلى حماية مكتسباتها- فإن البحرين وبعمقها الخليجي ولكونها عضواً في مجلس التعاون تستطيع التغلب على أية مصاعب اقتصادية وبسهولة كبيرة. وربما مثل هذه الاستراتيجيات تنجح في بعض البلدان الكبيرة وذات الكثافة السكانية والفقر المدقع، مثلما كان الوضع أيام شاه إيران، أما في بلد يتمتع بمستويات معيشية راقية ويحتل إلى جانب أشقائه في دول المجلس رأس قائمة بلدان المنطقة في مجال معدلات النمو والتنمية البشرية، فإن مثل هذه الاستراتيجية لا جدوى منها، وهي مضيعة للوقت. وبما أن المعارضة بدأت تفقد الزخم الذي رافق تحركاتها في البداية، فإن عليها تغيير استراتيجيتها واعتماد لغة الحوار والسلم الاجتماعي والتعاون مع مكونات المجتمع الأخرى للحفاظ على المكتسبات التي تحققت بجهود كبيرة خلال العقود الماضية، إذ بدون هذه المكتسبات التي أدت إلى تنمية مختلف مرافق الخدمات لما كان بالإمكان أن تحقق دورة الخليج كل هذا النجاح، ولربما تم نقلها إلى مكان آخر مثلما تم نقلها من العراق البلد النفطي الغني الذي يشل الفساد كافة مرافقه ويعيق تنميته. ورجوعاً إلى موضوعنا الأساسي، فإن الاحتفالات لا زالت تتوالى في الإمارات والبحرين وأنستنا السفر، فالذهب لا يصدأ ولا يتوارى لمعانه والمركز الأول لا ينسى أبداً، حيث حجزت الإمارات هذا المركز في العديد من المجالات، وهذا بدوره إنجاز يليق بأبناء زايد.