تمر الكويت بحالة مربكة، وهي اليوم بحاجة إلى حكمة لرأب الصدع الاجتماعي، وليس الانجراف وراء صيحات الإقصاء لهذا المكون أو ذاك. ودون الخوض في تفاصيل وملابسات تطور الأحداث في المشهد الكويتي، نشير إلى مجموعة من النقاط المفصلية؛ أولها أن هناك أزمة مستحكمة مازالت تخيم على سماء الكويت، وهي أزمة ترجع جذورها لسياسات تتقاسمها الحكومة ومجلس الأمة. وثانيها أنه لا يمكن لمجتمع أن يستقر في ظل غياب الاستقرار السياسي، وفي الكويت غاب الاستقرار وتعطلت التنمية نتيجة لغياب الرؤية. والنقطة الثالثة تتجلى في حدة الانقسام الاجتماعي، والذي يتجلى في أزمات سياسية تُظهر الحاجة إلى رؤية لإخراج المجتمع من هذه الحالة حتى لا تتحول إلى عنف يضعف المجتمع والدولة. الانتماءات الفرعية، العشائرية والمذهبية والعرقية، حقيقة اجتماعية، والخلاف يدور حول الطريقة المثلى لاستثمارها في صالح مشروع الاندماج الوطني. وهناك نظام التعاضد الاجتماعي الذي يمكن الاستفادة منه لصالح الدولة الوطنية إذا ما توافرت النية الحقيقية. ولعل إحدى الإشكاليات التي تواجهنا في البلاد العربية هي أن التقسيمات الاجتماعية التقليدية كثيراً ما يتم توظيفها سياسياً بما لا يخدم المشترك بين مكونات المجتمع. لكن ليس من مصلحة أي طرف الدفع بالتباعد الاجتماعي بين مكونات المجتمع، كما لا يمكن تحقيق التنمية في ظل ضعف التماسك الاجتماعي أو اختلال الموازين الاجتماعية. وما يحدث في الكويت بحاجة إلى فهم لعمق الأزمة الاجتماعية التي أنتجت أزمات سياسية. فعلى الجميع العودة لطاولة الحوار والعمل معاً على معالجة الثغرات الاجتماعية. وينبغي أن لا تُحسب الخسارة والربح لهذا الطرف أو ذاك، فالخسارة خسارتنا جميعاً لو فقدنا تماسكنا الاجتماعي، فمن اقترع ومن قاطع كلهم أبناء الكويت، طالما وضعوا مصلحة الوطن فوق كل المصالح، ولا خيار لنا جميعاً سوى الإبحار بسفينة الوطن إلى بر الأمان بتحكيم العقل. الكويت بحاجة لتحكيم العقل وإلى حكماء يدفعون نحو إعادة لحمة المجتمع وإبعاد شبح الإقصاء لأي مكون من مكونات المجتمع. فالديمقراطية هي خيارنا ومستقبلنا المشترك، ونظامنا السياسي مصدر أمننا، ومطالب الإصلاح ضرورة تحتمها المصلحة الوطنية، وعلينا الخروج من شعارات الإصلاح إلى مرحلة التطبيق، فقد مللنا ترديد الشعارات دون خطوات تعيد الثقة في مؤسسات الدولة. فالشروخ الاجتماعية إذا ما تُركت فسوف تتسع، مسببةً المزيد من الاحتقان الذي قد يأتي بنتائج يصعب ضبطها. كلنا نجمع على استحكام الأزمة، وأغلبنا لا يريد للكويت أن تبقى متأرجحة بين أزمة وأخرى، وما علينا سوى فهم الأزمة وتحليل السياسات العامة التي أنتجتها، وليس أمامنا سوى البحث عن نقاط الاتفاق لنبدأ حوار الاعتراف، فكلنا شاركنا بأخطاء، وعلينا جميعاً تحمل ما نعيشه من احتقان. ولنتذكر أن شبابنا، على اختلاف أفكارهم، هم مستقبل الكويت، فلا ينبغي أن ندفع بهم نحو العنف، ولنفهم مطالبهم ونقدّر لهم مكانتهم، فهم اليوم من يحرك الشارع، وهم من عانوا سياسات عقيمة دفعت بعضهم نحو العنف، وبعضهم نحو الانحراف، فهم من نراهن عليهم لبناء كويت الوطن والمواطنة.