في سنوات يفاعتي في سبعينيات القرن الماضي التي أمضيتها في مدينة أتلانتا، مسقط رأس الزعيم «مارتن لوثر كنج»، والمدينة التي دفن فيها، كنا نحتفل بذكرى زعيم حركة الحياة المدنية بطريقة تختلف اختلافاً كبيراً عما هو سائد اليوم. كان احتفالنا يتم في الرابع من أبريل كل عام، الذي كان يمثل الذكرى السنوية لاغتياله، وليس في يوم ميلاده في شهر يناير. وبدلًا من التركيز على زحفه على واشنطن، وعلى خطابه الشهير « لديّ حلم»، كانت المدينة تركز على مهمته، وعلى جوهر رسالته خصوصاً في تلك السنوات التي سبقت موته. لم يكن الاحتفال يركز على شعائر الحداد الجماعي، بقدر ما كان يركز على التذكير بالنضال الذي كان «كنج» يخوضه ضد مثلث الشر المتمثل في العنصرية، والفقر، والعسكرة، والذي كان يتجسد في معارك مثل معركته من أجل الحصول على حقوق عمال القمامة الذين يتقاضون أجوراً ضئيلة في مدينة ممفيس، ومعركته ضد حرب فيتنام، كما كان يتجسد على المستوى الوطني، في الأمل في القيام بزحف ثان على واشنطن، وهو زحف كان القصد منه إضفاء أبعاد درامية على المحنة التي يعيشها فقراء أميركا. يوم أمس الاثنين، تزامنت مناسبة تنصيب أوباما لفترة ولاية ثانية، والعطلة الرسمية السنوية بمناسبة ذكرى «مارتن لوثر كنج»، وهو ما يتيح فرصة نادرة لصنع يوم تاريخي عظيم، وإحياء رمزية ذلك الزعيم الكبير. والرئيس الأميركي يجسد تلك الرمزية بشكل جلي، عندما يقسم على أنجيل «كنج»، وإنجيل الرئيس لينكولن، ويجعل أرملة زعيم حركة الحقوق المدنية المغدور دون غيرها هي التي تتلو صلاة الابتهال في حفل التنصيب، وهو صلاة كان رجال دين هم الذين يقومون بتلاوتها عادة. وأعظم رمز في ذلك الاحتفال، هو أوباما نفسه. فبالنسبة للعديد من الأميركيين يمثل توليه أسمى منصب سياسي في الولايات المتحدة، نموذجاً للكيفية التي تمكنا بها نحن الأميركيين من التغلب على العنصرية التي حارب «كنج» من أجل القضاء عليها. ويمكننا هنا التصديق على ما قاله وزير الداخلية الأميركي خلال الاحتفال في 11 أكتوبر عام 2011 بافتتاح النصب التذكاري لـ«كنج» على أرض المتنزه الوطني في موقع لا يبعد كثيراً عن المكان الذي ألقى فيه خطابه الشهير «لدي حلم». والذي قال فيه إن أوباما «هو التجسيد الحقيقي للحلم الأميركي كما عبر عنه كنج». لقد أنضم أوباما لكوكبة عظيمة من الرجال الأميركيين المنحدرين من أصول أفريقية ليس فقط لنشاطه السياسي ولا لجهوده الرامية لكسر عدم المساواة العنصرية، وإنما لقيمته الرمزية باعتباره أول رئيس من أصل أفريقي للولايات المتحدة. ولكن مما يؤسف له على الرغم من تلك الاحتفالات والتكريم أن «كنج» يلخص دائماً في الذاكرة الجمعية للأميركيين من خلال مقطع واحد من خطابه الشهير «لدي حلم» الذي ألقاه عام 1963، والذي قال فيه «لدى حلم أن أولادي الأربعة الصغار سيعيشون ذات يوم في أمة لا يتم فيها الحكم عليهم من خلال لونهم، ولكن من خلال جوهر شخصيتهم». التركيز على هذه الكلمات التي يتم الاحتفاء بها كثيراً من قبل الأميركيين على مختلف مشاربهم تغطي على ذكرى النضال الأكبر، الذي خاضه ذلك الرجل، والذي جعل تولي أوباما لمنصب رئيس الولايات المتحدة أمراً ممكناً. _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ فريدريك هاريس أستاذ العلوم السياسية بجامعة كولومبيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»