جاء في الأخبار أن عدد النساء والفتيات اللواتي اغتصبن، حتى الآن في سياق الأحداث العظمى في سوريا، وصل إلى أربعة آلاف. وقد جرى بث هذا الخبر عبر منظمات خاصة بحقوق الإنسان والدفاع عن المرأة. والحق، أن هذا الرقم أثار اضطراباً وقلقاً وغضباً في أوساط الناس في العالم، وشكَّل خوفاً من أن ذلك لا يزال حدوثه محتملاً، بل وأن يمرّ كالريح، دون مساءلة جدّية، ودون عقوبة تصل إلى مستوى الحدث- الجريمة. لقد اغتُصب ذلك العدد الضخم من الأمهات، والأخوات والإبنات، ليجسد هذا العمل حالة شنيعة فاضحة قلَّما وُجد مثيل لها في التاريخ البشري. وإذا فصَّلنا المشهد الكلي، ظهر أمامنا من حالات المهانة والاحتقار والإذلال ما يجعلها تعبيراً يعادل السقوط في عالم يجعل الإنسان وحشاً ضارياً لم يدخل في مرحلة الحضارة والتحضّر، ذلك المشهد يتلخص باختزال الخطوات، التي يسلكها ذلك الوحش، بالتالي: اقتحام المنزل بأدوات من القتل تتجسّد بالسلاح الناري والسلاح الأبيض، فدخولٌ إلى المنزل، وإعدام للذكور، واغتصاب للإناث، ونهب للمحتويات، وأخيراً إحراق المنزل. ذلك هو المشهد الذي يهيمن على بلد يعود تاريخه الحضاري إلى أكثر من عشرة آلاف عام. وثمة جانب من المشهد المذكور، وهو القيام بعمليات الاغتصاب أمام الأب والإخوة، وكل من يتبقى من أفراد الأسرة. إنها ساديَّة تُفصح عن نفسها بما يعْسُر ضبطه من عناصر الحقد والاستعلاء الوحشي والمُفعم بالبناء الظلامي. في هذا وذاك كله، نعتقد أنه ربما هنالك مرجعية ما تشاهد ذلك العبث الفاضح بكل أشكال العار والجبن والإذلال، وتحاول إيقافه أو الحدّ منه، فيقف أحد وزراء الخارجية ليخاطب الرأي العام الدولي، والعربي والسوري من ضمنه، فيقول: ما تسمعون به من أعمال الإعدام للرجال والاغتصاب للنساء والفتيات والنهب للمنازل وأخيراً الحرق لها، إن هو إلا نتيجة لما يقوم به ذلك الخليط من السلفيين والمندسِّين ومن المجموعات المسلحة وشُذّاذ الآفاق. قد نرى في ذلك الخطاب شهادة زور من طراز جهنّمي فظيع، فالقاتل يصبح القتيل، والقتيل القاتل، لكن طبائع الأمور تظل تفصح عن نفسها وتُشير إلى ما عداها على نحو يحاكي الشمس في وضوحها. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الأربعة آلاف امرأة وفتاة لم يعدْن «برسم العار»، وإنما أصبحن أكاليل ورْد ونصر على جبين الشعب السوري. ولقد تساءل الكتاب عما إذا كانت «إعادة تأهيل» تلك النساء والفتيات ووئدهن ستشكّل عملية «علاجية» معقدة أو «محرجة لهن ولذويهن»؟ والحق، إننا لسنا في معرض التحدث عن أعراض انتهكت واستُبيحت، ومن ثم عن انتصار القتلة المجرمين وشذاذ الآفاق. نحن هنا أمام انتصار التضحيات، اللواتي أظهرن كيف يكون التاريخ في قفاه، أي في هزيمته وعاره بصيغة أولئك الهمج. وهكذا يختلط العار بالهمجية، والإجرام بالغباء المفرط، والظلامية بالدونية الدنيئة، وإذا كان ذلك قابلاً لأن يظهر في أوساط كل أتباع الفئات والمجموعات والطبقات والطوائف والاعتقادات...إلخ، فإن ذلك يتحول إلى واجب وطني وأخلاقي وأيديولوجي...إلخ، يدعو إلى إعادة بناء المجتمع السوري عبر منظومة قيمية جديدة. د. طيب تيزيني أستاذ الفلسفة - جامعة دمشق