إن عدم اليقين السياسي الداخلي قد ساد في الشرق الأوسط بصورة عامة خلال العقود الثلاثة الماضية، ولكن حقيقة واحدة ثابتة مهما تغيرت المعطيات ومحاور الصراع، أن التحالفات الدولية بين دول الشرق الأوسط والقوى الغربية العظمى كانت دائماً هي ضمان صمام أمن الخليج في ظل الهيمنة العسكرية والاقتصادية والسياسية لتلك الدول الكبرى وعدم نجاح قادة تلك القوى في إدراك مدى أهمية العوامل المحلية وسيناريوهات وحقيقة التهديد تحت ضغوط العولمة والتطور الهائل في المصادر الإعلامية المفتوحة ووسائل الاتصالات داخل المجتمعات الخليجية قد يكون هو الخطر الأكبر. فالمتغيرات الداخلية الزاحفة في المجتمعات الخليجية، قد تأتي في وقت يصعب السيطرة فيه عليها، والعلاقات العسكرية الثنائية بالتالي من غير المرجح أن تحقيق الاستقرار في الخليج العربي في حالة حدوث ذلك، فقد حان الوقت لصياغة استراتيجية جديدة من «التعددية الحوارية المستدامة للدبلوماسية الخليجية» لتوفير الأمن على المدى الطويل والازدهار في منطقة الخليج العربي. أمن الخليج في عصر العولمة تجاوز الهيمنة الغربية، ولتجنب تكرار التاريخ، يتعين على الولايات المتحدة والغرب، اعتماد نهج متعدد الأطراف ومعالجة القضايا الحيوية في طور التساوي والتكافؤ السياسي بحكم المصالح المشتركة لجميع الأطراف، دون استثناء وعدم دعم الأقليات الحزبية الدينية الإقصائية في المنطقة، فالخليج لا يزال خزاناً لاحتياطي النفط الأكثر فعالية من حيث التكلفة التشغيلية والجودة في العالم وأهم دعائم نمو واستقرار وازدهار الاقتصاد الدولي، حيث يجمع المحللون في جميع أنحاء العالم على أن منطقة الخليج العربي هي المنطقة الأكثر أهمية استراتيجياً للمستقبل، ومن مصلحة الخليج العربي أن يتخذ خياراً استراتيجياً مهماً لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، وفرض هيمنة سلاح الطاقة من خلال الترتيبات الثنائية الموحدة مع الأصدقاء والحلفاء، مع اتباع نهج متعدد الأطراف من شأنه أن يشمل جميع الحكومات في المنطقة والعالم حسب ما تقتضيه مصلحة الخليج العربي أولاً وأخيراً، وذلك بدوره استقرار ونمو للعالم العربي ككل. وفي المقابل، فإن منهج التعددية التحاورية لأمن الخليج يجب أن يكون من خلال إدراج الروابط الاقتصادية والأمنية، وفرص العمل المشتركة لتنمية المنطقة وتحقيق الاستقرار، وهو أمر قائم على قواعد في المبادئ العالمية التي تنطبق على جميع الجهات الفاعلة في منطقة الخليج وبناء على ذلك ينبغي النظر في مشكلة أسلحة الدمار الشامل، كمشكلة عامة تتطلب القيود التي تنطبق على قدم المساواة لجميع الأطراف، بما في ذلك الولايات المتحدة، وروسيا وإسرائيل، وباكستان، والهند وإيران والدول التي تملك تلك الأسلحة وسيتم تناول جانب الطلب والحاجة من انتشار أسلحة الدمار الشامل وتتخذ إجراءات دولية ضد كل المخاوف الأمنية الموضوعة في الاعتبار... وأخيراً فإن الهدف لا يجب أن يكون لإنهاء المنافسة إبطاء عجلة سباق التسلح من خلال تغيير النظام، وإنما لإدارة المنافسة بين جميع الحكومات والأنظمة بصورة تكفل السلام العالمي وتعززه. ناهيك عن أن النخب السياسية في دول الخليج، تلعب دوراً حيوياً في تحقيق ميزان القوى الدولي في المنطقة، والشرق الأوسط بأكمله والذي يخضع بدوره لتحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية تتجاوز إلى حد كبير الأشكال التقليدية إلى ما يمكن أن نطلق عليه السياسة الواقعية، ووضع قابل للانفجار في أي لحظة والانتقال إلى حكم السلطوية الدينية التوسعية، التي تريد الانتشار في كل بقعة في العالم وإخضاع المجتمعات لرقابتها، وليس العكس وجعلها أكثر انفتاحاً، ولكن نحو الانغلاقية الفكرية ودساتير المرجعيات الحزبية الدينية، جنباً إلى الطفرة السكانية ما قد يؤدي إلى ارتفاع في معدلات البطالة والركود الاقتصادي الحاد في جميع أنحاء المنطقة على مدى السنوات القليلة القادمة، وحدوث ما لا يمكن أن تحمد عقباه من فوضى النخب التكتلية لقيادة شارع سياسي، هي من تقرر من يمشي فيه ويسكنه. ومن جانب آخر فقد خلقت حرب العراق في عام 2003 وضعاً جديداً تماماً حيث إن وجود الولايات المتحدة فرض إلى أجل غير مسمى في جزيرة صناعية سياسية تتألف من الولايات المتحدة وإيران ودولة خليجية ومصر تراقب من بعيد تريد بطاقة مرور للانضمام ومع ذلك، فإن التاريخ والتقاليد والجغرافيا تفترض نهضة المثلث التقليدي، وواشنطن ربما لن تعترض على العراق بوصفها الشريك الاستراتيجي في المنطقة، ولن يتغير ترتيب الخليج العربي والظروف الجديدة ستسيطر على المنطقة من أجل توازن القوى ومعادلات القوة التي تغيرت تماماً إلى غير رجعة. فنحنُ في عهد جديد للمنطقة بأسرها سيجبرنا على إعادة تقييم أولويات الأمن القومي، وعليه يجب عدم الوقوع في فخ أن تكون كل دولة لاعباً منفرداً، ويجب أن تكون الشعوب الخليجية في غاية الذكاء والحنكة السياسية في ظل الوضع الحالي، فالديمقراطية ودعم الحريات وكل هذه الشعارات الخاوية ليست سوى سلاح فتاك تريد أن تقضي به الدول التي لها مطامع ومصالح كبرى في الخليج على استقرار الخليج، وضمان صفقة تبادلية تكفل للبعض الظفر بتاج الملك العقدي، ولغيرهم بإمبراطورية قومية بصبغة مذهبية، ولآخرين توفر الطاقة إلى ما شاء الله، فما يهم شخص يصف حياتك وتقاليدك وعاداتك بالتخلف والرجعية، ودينك بالأفيون المخدر للعقول والشر والخطر الأكبر في العالم، في أن يكون نظامك ديمقراطياً وفق مفاهيمه الغربية إلا لغرض في نفس يعقوب، والرجوع لداحس والغبراء والربوية السياسية، وهو ليس ما نحتاجه بعيداً عن وسطاء وإمبرياليي أسواق الاقتصاد والسياسة. وفي ظل الظروف الحالية لن يكون إقرار الأمن الإقليمي ممكناً دون التحالف مع القوى الإقليمية والأجنبية، ليس حباً في سياساتها وأجنداتها الخاصة، ولكنها مصالح مشتركة وعلاقات دولية يجب أن نستثمرها للحفاظ على مكتسباتنا، فالمتربصون كثيرون، وساستنا بعبقرية قاموا بسد الفجوة. وبعيداً عن العواطف أرى أهمية انضمام دول المنطقة الكبرى بغض النظر عن خلافنا التاريخي معها ومطامعها الجامحة بجانب الأردن والعراق واليمن في عضوية كاملة إلى اتحاد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من أجل المساعدة في إنشاء نظام أمني إقليمي جديد، وخفض حدة توتر الحرب الباردة القائمة في الشرق الأوسط، والتي أظهرت دول الخليج العربي فيها الكثير من النضج السياسي وضبط النفس الذي يحسب لها لاحتواء الجارة الكبرى بعد عدم نجاحها في فرض إرادتها على الآخرين من خلال ممارسة سياساتها المرفوضة، والتي قد تحولها من أحد اللاعبين الدوليين إلى الملعب نفسه وساحة خصبة لعدم الاستقرار الداخلي.