لدينا هذه الأيام نقاش وطني ساخن حول عنف الأسلحة يسعى فيه البعض مدفوعين بالنفعية السياسية إلى التهرب من المواضيع الجوهرية، في حين يعمل آخرون تحركهم الإيديولوجيا السياسية على توجيه النقاش إلى وجهة خاطئة وصرفه عن المواضيع الأساسية. وكان أوباما قد وقع مؤخراً «أمراً تنفيذياً» يقدم إصلاحات صغيرة ولكنها مؤثرة على نحو بارز. والكونجرس يستطيع ويفترض أن يمرر حظراً على الأسلحة الهجومية، وفرض عمليات تحقق شاملة من خلفية من يرغبون في شراء سلاح ناري في المستقبل. غير أن هذا لن يحل المشكلة، مثلما لن تحلها المقترحات الغريبة للمدافعين عن حيازة السلاح والقاضية بتحويل مدارسنا إلى مرافق أمنية شديدة الحراسة ينتشر فيها حراس مسلحون ويحمل فيها معلمو رياض الأطفال أسلحة مخفية، أو أن نستفيد من «حربنا الباردة» مع الاتحاد السوفييتي فنسمح لركاب الطائرات بحمل أسلحة لنختلق بذلك نوعاً من مواجهة «التدمير الأكيد المتبادل» على متن الطائرات. كلا، إن مشكلتنا ليست كون أسلحتنا متطورة جداً من أجل مصلحتنا، أو كوننا لا نملك ما يكفي منها. بل إن مشكلتنا أبسط وأعمق من ذلك بكثير. إنها ثقافتنا، «ثقافة السلاح» والأسلحة. لقد نشأ أبناء جيلي وهم يلعبون لعبة «رعاة البقر والهنود الحمر»، أو «الشرطة واللصوص». وحين لم تكن لدينا مسدسات أو بنادق بلاستيكية، كنا نقوم بكل بساطة بالارتجال واستعمال السبابة والإبهام على شكل مسدس ثم نطلق صرخات «باو باو، لقد مت!». أما أحفادي الآن فلا يلعبون هذه الألعاب، بل يقومون بتمثيل قصص خيالية أكثر لرواد الفضاء وأبطال خياليين مستقبليين، وكلهم يمتلكون أسلحة قوية. ولكنهم يتدبرون أحوالهم، عندما تدعو الضرورة، بعصي وأصابع محولين إياها إلى أسلحة تتمتع بكل أنواع القوة السحرية والفتاكة. لنواجه الحقيقة: إننا نتربى منذ نعومة أظفارنا على ثقافة السلاح والعنف. فمن الرسوم الكرتونية أو أفلام رعاة البقر، أو أفلام الشرطة، إلى أفلام كوينتن تارانتينو، تترسخ الأسلحة وإطلاق النار والقتل في «ثقافتنا العميقة». ومثل «رغيف أمي وقهوة أمي»، أصبحت الأسلحة جزءاً من هويتنا كأمة. وكلمة أوباما، التي ألقاها الأسبوع الماضي قبل توقيع سلسلة من «الأوامر التنفيذية»، تضمنت تأملات عميقة حول مأساة الأرواح التي تزهق، إلى جانب تصميم قوي على سن حزمة من التدابير لمعالجة لعنة عنف الأسلحة هذه. ولعل أكثر ما يبعث على التفكير في ما قاله هو أنه خلال الشهر الذي أعقب مذبحة مدرسة ساندي هوك الابتدائية مات أكثر من 900 أميركي جراء إطلاق النار. والواقع أنه لا أحد كان ينبغي أن يصدم لسماع هذه الأرقام المخيفة، لأنها معروفة سلفاً. ذلك أن ما بين 900 و1000 أميركي يُقتلون كل شهر كمتوسط منذ سنوات. وهو ما يعادل قرابة 10 آلاف سنوياً، أو أكثر من 100 ألف خلال العقد الماضي. وعندما تضاف إلى ذلك عمليات الانتحار بواسطة سلاح ناري وحوادث الموت العرضية بواسطة هذا النوع من الأسلحة، يصبح المجموع أكثر من 30 ألف حالة وفاة سنوياً، مما يجعل من الأسلحة واحداً من الأسباب الرئيسية التي تقتل الأميركيين. ثم لدينا قرابة 300 مليون قطعة سلاح متداولة في الولايات المتحدة، أي ما يكفي لتسليح 9 من أصل كل 10 أميركيين. كما أن نصف العائلات الأميركية تقريباً لديها سلاح ناري، علماً بأن الإحصائيات تشير إلى أن هذه العائلات معرضة لاحتمال التعرض لعنف السلاح مرتين أكثر مقارنة مع العائلات التي ليس لديها سلاح. وإذا كان ينبغي أن نكون قلقين بشأن الأسلحة الهجومية، فإن الواقع يشير إلى أن أكثر من ثلثي كل القتلة بواسطة سلاح ناري يستعملون المسدسات -ونحن لم نشهد نقاشاً جاداً حول المسدسات منذ سنوات. إننا جميعاً نعرف هذه الأمور. ومع ذلك، ما زال هناك هوس مرضي ليس بامتلاك الأسلحة فقط، ولكن بعرقلة أي محاولات لتقنين عقلاني لحيازتها. وعلى سبيل المثال، فقد أجهضت لوبيات السلاح جهداً في ولاية فرجينيا كان سينص على إمكانية اقتناء السكان لسلاح واحد فقط في الشهر. والواقع أن طريقة اشتغال هذا اللوبي بسيطة ومباشرة: فهم لا يسمحون بأي نقاش، ولا توافق، ولا تنازل، ولا يقبلون بأي تردد أو مؤشرات ضعف. كما أنهم يغطون على دفاعهم المميت عن السلاح بالدستور، حيث يجادلون بأن بقاء حريات أميركا هو الواقع في خطر. وفي هذه الأثناء، يزيدون من إلهاب مشاعر أتباعهم. وفي النهاية، لدينا ثقافة «جنون السلاح»، والتدجج به، في وقت يعتقد فيه البعض أنهم هم الوطنيون الحقيقيون الذين يذودون عن الحرية في وجه الطغيان. وعندما نضيف إلى هذا الخليط، كل مشاعر الاستياء والضغوط التي أدت إلى ولادة حركة حفلة الشاي، يصبح لدينا خليط متقلب وخطير. والواقع أن كل هذا كان ظاهراً وجلياً بعد الكلمة التي ألقاها الرئيس الأسبوع الماضي. فقد رد خصومه باستعمال خطاب قاس، وشبه هستيري وعنيف أحياناً. وعلى رغم هجومهم الشرس، إلا أن «أوامره التنفيذية» ستبقى. كما أن قوانين جديدة تحظر الأسلحة الهجومية وغيرها ستُقترح وتناقش ويفترض أن تمرر. ولكن إلى أن يكون لدينا نقاش وطني جاد وطويل حول مخاطر حبنا المرَضي للأسلحة ونطهر أنفسنا من هذا الهوس المرَضي، فإننا سنظل نلف وندور حول موضوع يتسبب في مقتلنا.