ببيوتها الصغيرة المبنية على امتداد الطريق الرئيسية وكنيستها المبنية من القرميد الأحمر، تعتبر «توبتشين» التي تبعد 25 ميلاً فقط عن برلين، قرية ألمانية تقليدية لا تختلف عن غيرها من القرى المحيطة. لكن إذا ما توغل المرء بسيارته شرقاً عبر المستنقعات المجاورة للقرية، فإنه سيفاجئ بمنظر غير متوقع هو منظر خمس من قطعان الجاموس آسيوية ضخمة تبدو مستريحة تماماً في بيئتها الجديدة؛ وهو ما تمناه «هولجر روسلنج» مدير مشروع توبتشين. وروسلنج يدير المشروع مع صندوق براندنبيرج للمحافظة على الطبيعة الذي استورد هذه الجواميس كي ترعى في مساحات مهددة من المستنقعات والأراضي الملحية، التي فقدت الماشية الألمانية شهيتها للرعي فيها، بسبب غمرها بالمياه وفقرها في المكونات الغذائية. ومشروع توبتشين يعتبر نموذجاً لتوجه متنام في المحافظة على البيئة في أوروبا بأسرها، من خلال استخدام الحيوانات البرية الضخمة التي تقتات على العشب، والمستجلبة من الخارج، لزيادة مستوى التنوع في البيئة النباتية والحيوانية في القارة. معظم الناس في أوروبا ما زالوا يعتقدون أن المحافظة على الطبيعة تعني ترك النباتات والحيوانات الأصلية على حالها دون أن يتدخل أحد في شأنها، أو استعادة بيئاتها لحالتها الطبيعية الأصلية، بينما الحقيقة ليست كذلك. ففي عالم يهيمن عليه الجنس البشري، ويتعرض لتغير بيئي متسارع، صارت الأشياء بشكل عام أكثر صعوبة وتعقيداً. والإجابة على السؤال حول كيفية المحافظة على الطبيعة، لا يتمثل دائماً في السعي من أجل تخليق «خليط نقي» من الأجناس النباتية والحيوانية الأصلية في إقليم معين من أقاليم العالم الكبرى. ففي الوقت الراهن، يسعى عدد متزايد من المنظمات المهتمة بالبيئة والتنوع إلى استخدام الأجناس النباتية والحيوانية المستجلبة من الخارج لخلق وإدارة تنوع حيوي في المناطق المحلية، فبعد مرور فترة قصيرة على إنشاء مشروع توبتشين، ظهر عدد من المشروعات المماثلة في مختلف أنحاء ألمانيا. فعلى بعد عدة كيلومترات إلى الغرب من برلين، أطلقت مؤسسة «هاينز سييل مان» 19 جوادا من فصيلة «بايزيفالسكي» المستجلبة من منغوليا، كما تم إطلاق 41 بيسن (ثور أميركي) في «دوبيرتزر» في وسط ألمانيا على أرض كانت تستخدم في السابق لأغراض التدريب العسكري. والهدف من ذلك، هو إتاحة الفرصة للجياد والبيسن للرعي في المنطقة وقطع الشجيرات الصغيرة، والتشجيع على انتشار الأصناف المحبة للحرارة، والتي تتكاثر عادة في المناطق الوسطى من البلاد. وهناك مشروع ثالث بالقرب من برلين يستخدم أنواع الحيوانات الآكلة للعشب للمحافظة على البيئة. وهذا المشروع يقع في أرض من صنع الإنسان، بكل معنى الكلمة، فهو عبارة عن مزرعة سابقة لمعالجة المخلفات البشرية. ففي عقد الثمانينيات من القرن الماضي أُغلقت المزرعة، وأثار إغلاقها طائفة من المناقشات بشأن ما يتعين فعله بشأن قطعة الأرض التي كانت تضمها. ولم يتم الاتفاق على ما يتعين عمله إلا في عام 2011 عندما أنشأ هذا المشروع الذي يهدف إلى إقامة أكبر منطقة غابات طبيعية في أوروبا. يقول «أندرياس شولتز» مدير مشروع «الطبيعة في بارنيم ريجون» -اسم المشروع- وهو عبارة عن شراكة بين القطاعين العام والخاص، تضم السلطات المحلية، والمنظمات البيئة، والمزارع العضوية، والمواطنين الخصوصيين، يقول: «نحاول في الوقت الراهن تكوين بيئة طبيعية جديدة على مساحة من الأرض تزيد على 800 هكتار، كي تكون بمثابة أرض نموذجية للأصناف النادرة والمعرضة لخطر الانقراض، أو كنوع من الغابات المفتوحة». ويرى «ريتشولف»، أستاذ علم الحيوان، أن التجارب التي تتم حول برلين يمكن أن تكون لها أهمية أكبر فائدة للقارة الأوروبية. ففي الوقت الراهن يتناول المستهلكون الأوروبيون اللحم، ويشربون الحليب من ماشية تعيش مطلقة السراح في منشآت اصطناعية، وتتم تغذيتها بأعلاف تتكون في غالبيتها العظمى من فول الصويا المستورد من الدول الغنية بالغابات المطرية. ويقول ريتشولف: «نحن بالطبع لا نستطيع الاستمرار على هذا النحو، ويجب علينا أن نتعلم كيف نحصل على اللحم والحليب من بيئة تمتاز بالتنوع الحيوي». ومن المعروف أن المشروعات الألمانية المشار إليها تبين الكيفية التي يمكن أن تمضي بها جهود المحافظة على الطبيعة، وإنتاج اللحوم جنباً إلى جنب. ويوضح ريتشولف ذلك بقوله: «يجب أن يتم النظر إلى المشروعات الحالية، باعتبارها تمثل تجارب لتطبيقات مستقبلية أوسع نطاقاً». في قرية توبتشين اعتاد السكان المحليون على جيرانهم الجدد المستجلبين من الخارج. تقول كريستين سايمون، التي تدير مزرعة مع زوجها ديتليف: «في البداية لم نكن مرتاحين لمنظر قطعان الجاموس، وكنا ننظر للموضوع كله بارتياب، حيث كنا نعتقد أن الهدف منه هو إثبات أن الأراضي الملحية وأراضي المستنقعات التي كانت تلك الحيوانات ترعي فيها غير صالحة للرعي ولا الزراعة». لكن تلك الأسرة سرعان ما اكتشفت أن مشروع قطعان الجاموس يقدم فرصة كبيرة لهم، حيث سمح للحيوانات بالرعي على الأرض، وأتاح لهم الفرصة من وقت لآخر للقيام بذبح بعض تلك الحيوانات وبيع لحومها وأجزاء أخرى منها، مثل النقانق، لسكان المدن الألمانية الأخرى، وخصوصاً برلين. تقول كريستين: «أعتقد أن سكان برلين سوف يحبون طعمها على أساس أنها حيوانات تربت في بيئة طبيعية مفتوحة». كريستيان شواجيريل ــــــــــــ باحث بمشروع «ييل إينفايرونمنت 360» الذي تشرف عليه جامعة "يل" الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»