لا يزال اليمن السعيد غير سعيد، فالتطورات الدرامية والأحداث الجسام تعصف به، والاقتصاد يكاد يكون مشلولاً، والمشاكل السياسية والاجتماعية تتفاقم. ولا يبدو في الأفق بأن هذا السيل من القضايا السلبية إلى نهاية معروفة أو إلى زوال، فلماذا يمر اليمن بكل هذا ومحيطه الإقليمي يحقق قفزات هائلة في مجالات التنمية الشاملة المستدامة وعلى كل صعيد؟ سؤال محير حقاً وإجابته غير يسيرة، فعلى الصعيد النظري على الأقل، لا ينقص اليمن شيء من المعطيات الأساسية للولوج في عملية تنمية اقتصادية واجتماعية ناجحة، لا من حيث العنصر البشري ولا خصوبة الأرض، ولا القدرة على توظيف المقدرات في صالح الوطن والمواطن. إنها علامة استفهام تتلوها علامة تعجب كبرى ليس لدينا لها تفسير منطقي، لكن لو أردنا تحليلاً لما يجري، فإن المصائب الكبرى التي يمر بها اليمن، وعلى المدى المنظور، تملي على الدولة والمجتمع، وهما مجبران على ذلك، مواجهة مجموعة من التحديات البنيوية بما في ذلك توظيف الموارد المتاحة رغم شح عنصرين رئيسيين منهما ليس لعدم وجودهما، ولكن لسوء الاستخدام والتوجيه، وهما المياه والأراضي الزراعية، والضغوط الاجتماعية - الاقتصادية المتعلقة بإنتاج واستهلاك القات والزيادة السكانية غير المنضبطة والبطالة والأمية. وبشكل ملح، فإن الدولة اليمنية تواجه ضغوطاً سياسية وأمنية على جبهات ثلاث هي: «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، التي تتخذ من جنوب وشرق البلاد مركزاً لها، وحركة «الحوثيين» في صعدة في الشمال، وما يرتبط بذلك من تدخل إيراني في شؤون اليمن الداخلية، و«الحركة الانفصالية» في الجنوب، وتدخل إيران فيها أيضاً. وربما أن حركة «الحوثيين» قد تم احتواؤها مؤقتاً، لكن صراع الدولة معها وخطورتها على مستقبل اليمن لا تزال قائمة، فهي تطل برأسها بين الفينة والأخرى. صحيح أنه تم احتواؤها منذ فبراير عام 2010 حين شن النظام السابق عليها حملة واسعة أدت إلى وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات بين الطرفين، لكن تدفق الأسلحة إلى «الحوثيين» ودعم إيران المادي والمعنوي لهم يبقي المشكلة قائمة وتتأجج. أما بالنسبة لحركة الجنوب الانفصالية، أو ما يطلق عليه الحراك الجنوبي، فإن معظم ما يطلقه من تظلمات أو رغبة في الانفصال، فهو لم يخرج بعد عن انتهاج الوسائل السلمية كالمظاهرات والاحتجاجات والبيانات والمنشورات رغم أن إيران تدعم قادته مالياً وتحاول أن تحيله إلى شيء آخر. أهم ما يهدد سلامة اليمن وأمنه هو تنظيم «القاعدة» الذي كثف من هجماته ضد قوات الحكومة والجيش ومرافق البنية التحتية للبلاد، واستطاع السيطرة على بعض المناطق. لكن يبدو بأن الحكومة حققت نجاحات ضده مؤخراً واستردت العديد من المناطق التي يسيطر عليها. لكن في جميع الأحوال مشاكل اليمن لا تنحصر في هذه التنظيمات وحدها، بل هي تمتد بعمق في جذور المجتمع والدولة، خاصة الفقر والأمية والبطالة وحمل الأسلحة وانتشارها الواسع في جميع أنحاء البلاد، وهي مشاكل مستعصية يصعب على الدولة وحدها حلها وتحتاج إلى تعاون المجتمع، وإلى أياد خارجية تمتد للمساعدة. وأكثر الجهات الخارجية قدرة على ذلك واستعداداً للمساعدة، هي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مجتمعة، فهي تمتلك من الوسائل الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية ما يؤهلها لإخراج اليمن من أزمته الحالية. ودول المجلس إن قامت بذلك، فهو ليس تفضل على اليمن، بل هو واجب لا بد من أدائه لأن انعكاسات عدم الاستقرار في اليمن، لن تكون هينة على أمن دول المجلس، إن لم تتحرك سريعاً في هذا الاتجاه وبمنتهى الجدية والمصداقية والمثابرة.