من المعروف أن الدستور الأميركي يُجيز للأفراد حمل السلاح. وعلى الرغم من حوادث العنف التي تشهدها الولايات الأميركية بين حين وآخر، إلا أنه لم يتجرأ رئيس أميركي على الاقتراب من هذه المنطقة الخطرة لإدراكه مدى قوة لوبي تجارة بيع الأسلحة داخل المجتمع الأميركي في مواجهة أي تقليص لها، لبراعته في اللعب على وتر بند الدستور الذي يكفل للمدنيين حرية حيازة الأسلحة، وحقهم في الدفاع عن أنفسهم عند تعرضهم لأي هجوم شخصي. لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، يُقدم رئيس أميركي على مخالفة هذا البند، حيث قرر أوباما تقديم مقترحات للكونجرس تهدف في مضمونها إلى تطبيق إجراءات صارمة على بيع الأسلحة للأفراد، واعتبار تهريب الأسلحة للداخل جريمة فيدرالية، مع حظر المجلات المتخصصة ببيع الذخيرة. كانت مدينة نيوتن بولاية كونيكتيكوت قد حدثت فيها مؤخراً واقعة مؤلمة، حيث تسلل مسلح إلى داخل مدرسة (ساندي هوك) وقام بقتل عشرين تلميذاً، وستة من موظفي المدرسة قبل أن يُطلق الرصاص على نفسه. هذه الحوادث المتكررة أثارت مخاوف الأهالي مطالبين بوجوب حماية أطفالهم من الأشخاص الذين يُعانون من اضطرابات نفسية خطيرة ولديهم نزعة إجرامية لسفك دماء الأبرياء! بعد سلسلة الهجمات التي استهدفت الأطفال في الآونة الأخيرة، والخوف من أن يفشل الكونجرس في تمرير قانون يحد من انتشار بيع الأسلحة داخل الولايات المتحدة الأميركية، دفع العديد من الأسر الأميركية الثرية اللجوء لشركة كولومبية متخصصة في صنع السترات الواقية من الرصاص للمشاهير والسياسيين، لتصميم حقائب مدرسية وملابس مضادة للرصاص حماية لأطفالهم من أي رصاصة طائشة أو متعمدة يُوجهها قاتل مهووس غير معروفة دوافعه الحقيقية! تكلفة القطعة الواحدة بلغت ألفين دولار، وهو مبلغ لا تستطيع الأسر المتوسطة الدخل توفيره، لضمان حياة أطفالها من اعتداء مفاجئ! وإن كنتُ أرى بأن الملابس والحقائب الواقية ليست حلاً سحرياً للقضاء على مشكلة العنف الدموي داخل أميركا، ولا في غيرها من بقاع العالم، بل ستخلق ذعراً بأعماق الأطفال الذين سيُجبرون على ارتدائها كل صباح، وهم ذاهبون لمدارسهم، كأنهم يلجون إلى ساحة حرب! عندما أنظر لأطفال هذا العصر، أشفق عليهم كونهم ولدوا في زمن يتم فيه اغتيال الطفولة بوضح النهار. هناك ملايين من أطفال العالم صاروا يُراقبون بعيون باردة ما يجري حولهم من مشاهد دموية حقيقية، دون أن يطرف لهم جفن! فعلى سبيل المثال يُقال بأن الأطفال العراقيين لم يعودوا يخشون من أصوات الانفجارات التي تحصد يوميّاً مئات الضحايا، وصار مشهد الدم والدمار اعتيادياً لديهم! كما أصبح الجيل الصاعد في كل مجتمعات الدنيا مهووساً بألعاب الكمبيوتر، التي تحفّز أغلبها على العنف وخلق روح العداوة في أعماقهم. إضافة إلى أفلام (الأكشن) التي تُظهر بطل الفيلم كيف يُبيد كافة الأشخاص الذين يقفون في طريقه ثم يخرج مثل «الشعرة من العجين»، كما يقولون بلا محاسبة قانونية، وهو ما يجعل الطفل يؤمن بأن البقاء للأقوى والغاية تُبرر الوسيلة! هناك بالتأكيد خللاً تربوياً وإعلاميا ومجتمعياً! ومن الواضح أن العيار قد فلت اليوم بصورة مخيفة بسبب التغيرات السريعة التي يشهدها العالم بأسره من تدهور اقتصادي إلى اضطراب سياسي وغياب روح الترابط والألفة، التي كانت متوفرة بين أفراد الأسرة الواحدة، نتيجة الثورة المعلوماتية التي استحوذت على أذهان الجيل الجديد. هذه العوامل مجتمعة تستوجب تكاتف الإعلام بتباين تخصصاته، والفنون بأنواعها، وكافة المؤسسات التربوية، في الدعوة ضمناً إلى نبذ كافة صور العنف بأساليب مبتكرة حتى تُبنى مع مرور الوقت مجتمعات آمنة.