إن ما حدث في ليبيا لم يكن «ربيعاً عربياً» ولا ثورة شعبية، بل قرار للحكومة الفرنسية بالذهاب إلى هناك للتدخل في نزاع داخلي وتقديمه أمام المجتمع الدولي في إطار ثورة. هذا ما قاله برلسكوني، رئيس وزراء إيطاليا السابق، والذي أضاف: هاجمت الطائرات الفرنسية ليبيا قبل أن يتم اتخاذ قرار مشترك. والحقيقة أن المتابع للحراك السياسي في المنطقة العربية، سوف يجد العديد من المؤشرات والدلائل التي سبقت هذا التصريح بفترة، والتي تؤكد في معظمها ظهور مثل هذا الدور الأجنبي في الحراك العربي. ففي أبريل 2011 كتب "بول كريج روبرتس"، الرئيس السابق لصحيفة "وول ستريت جورنال"، في نشرة "كاونتر بنتش" مقالاً تحت عنوان "الاستعمار الجديد"، حدد فيه ملامح صورة التدخل عندما قال: "لا أحد بين المرموقين من محللي شؤون الشرق الأوسط يأخذ على محمل الجد ادعاء الدول الغربية بأن الغرض من تدخلها العسكري في ليبيا، هو حماية المدنيين الليبيين من بطش النظام". ثم أضاف، أن ما نشهده في ليبيا هو الولادة الجديدة للحركة الاستعمارية، لكن تحت غطاء المجتمع الدولي. وحسب العديد من الدراسات، فثمة خطط معدة سلفاً لاختراق الدول، وذلك عبر وسائل منها: 1- إثارة الاضطراب وعدم الاستقرار في المنطقة تحت شعار "الفوضى الخلاقة"، والتي تعني في مضمونها خلخلة حالة الجمود التي تسود المجتمع المطلوب اختراقه، والوصول به إلى حالة الفوضى المربكة، وتوجيه هذه الحالة وإدارتها بغية الوصول إلى الوضع المطلوب. 2- توظيف المنظمات ووسائل الإعلام المختلفة، من شركات الدعاية ومحطات التلفزيون الفضائية والمؤسسات الصحفية المتنوعة... لخدمة هذا الهدف. 3- تدريب مجموعة كبيرة من الناشطين على برامج تحريك الجماهير سلمياً، وكيفية إدارة جموع الجماهير من دون الاصطدام بقوات الشرطة أو الجيش، والتحريض على الاضطرابات، وتوظيف دور الخبير الأميركي في الثورات السلمية "جين شارب". 4- تدعيم الحركات والأحزاب المعارضة لأنظمة الحكم. وقد تم تجنيد مراكز الأبحاث الأميركية مثل "بيت الحرية" و"المعهد الديمقراطي" و"المعهد الجمهوري"، والتي أوصت بأن يتم الاختراق عبر منظمات المجتمع المدني، وأن يتم إنشاء منظمات أخرى مدعومة خارجياً وبشكل سري. وفي عام 2007 أصدرت مؤسسة «راند» الأميركية تقريراً مهماً تحت عنوان «بناء شبكات مسلمة معتدلة»، تضمن هذا التقرير فكرة اختراق منظمات المجتمع المدني العربي، من خلال التمويل والتنظيم المشترك لأنشطة تغذي الصراعات العرقية والطائفية في المنطقة. وفي كتابه "برنارد لويس مهندس سايكس بيكو 2"، ينقل عادل الجوجري عن تقرير «المعهد الدولي لبحوث العولمة» في واشنطن، أن الاستخبارات الأميركية والبنتاغون أعدا مخططاً لتغيير الأنظمة الحاكمة بطرق غير تقليدية، عبر تحريك مجموعة شبابية ترتبط بوسائل إلكترونية، وتمارس الإضرابات وأساليب الكرِّ والفرِّ والتحرك المكثف «مثل أسراب النحل»، بهدف خلق أنظمة حكم تسهم في تنفيذ مخططات التقسيم. الجنرال فلاديميرا فتشبنكي، رئيس فرع الأنتربول في روسيا، هو الآخر كشف لصحيفة "كومو مولسكايا برافدا"، سر العشاء السري الذي جمع أوباما ومديري "فيسبوك" و"جوجل" و"تويتر" و"ياهو" وشركات تقنية المعلومات الأميركية، وسر الارتباط بين ما حدث في هذا الاجتماع وتسريبات موقع "ويكيلكس"، والرؤية الطائفية التي اخترقت الواقع الاجتماعي والسياسي العربي.