ارتبطت نشأة النظام السياسي الفلسطيني وتطوره عبر مختلف المراحل التي مرت على الشعب الفلسطيني وقضيته منذ عام 1948، بالتداخل مع العوامل والمحددات الخارجية التي أدت دوراً رئيسياً في تحديد معالمه، واحتكم إليها في صيرورته. فهذا النظام الذي أخذ في التشكل مع قيام منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، تميز عن غيره من النظم السياسية الأخرى المعاصرة بنشأته خارج فضاء الدولة والإقليم، وفي ظل غياب الوحدة المجتمعية، بفعل واقع التشتت واللجوء، ما أدى موضوعياً إلى قوة العامل الخارجي، ولاسيما العربي، كمحدد رئيسي في صنع السياسات واتخاذ القرارات داخل منظمة التحرير. وعلى ضوء هذه الخصوصية يناقش كتاب "إصلاح النظام السياسي الفلسطيني... بين المطالب الداخلية والضغوط الخارجية"، لمؤلفه الدكتور محمد عبدالله أبو طالب، إشكالية رئيسية يصيغها عبر التساؤل: إلى أي حد يمكن إصلاح النظام السياسي الفلسطيني؟ وضمن مقاربته لهذه الإشكالية وما تطرحه من تساؤلات، يتطرق الكتاب إلى مظاهر الخلل في النظام السياسي الفلسطيني، وانعكاسات هذا الخلل على أداء النظام ومؤسساته، وكيفية تعاطيه مع المطالب الداخلية والضغوط الخارجية، وماهية العراقيل التي تواجه الإصلاح. وكما يوضح المؤلف في مقدمة الكتاب، فإن إصلاح النظام السياسي الفلسطيني أصبح أولوية وضرورة ملحة، في ظل عدم إنجاز الأهداف الوطنية الفلسطينية، وما تعانيه منظمة التحرير من تراجع في أداء مؤسساتها، وتهميش دورها كمرجعية للشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية، وبقاء بعض القوى السياسية خارج مؤسساتها، بالإضافة إلى استمرار مظاهر الخلل وتعددها في مؤسسات السلطة الوطنية وهياكلها، وما يشهده النظام السياسي الفلسطيني من انقسام على مستوى بنيته وقواه السياسية. ويتناول الكتاب نشأة النظام السياسي الفلسطيني وتطوره، موضحاً أنه بعد تأسس منظمة التحرير عام 1964، انتقل النظام إلى طور جديد من التفاعلات كان دافعها الوصول إلى تجسيد كياني أكثر تنظيماً وأعلى قدرة على تلبية طموحات الحركة الوطنية الفلسطينية. لذلك تشكلت في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات العديد من التنظيمات السياسية الفلسطينية التي تصاعدت مكانتها فلسطينياً وعربياً، لممارستها الكفاح المسلح، ولتنامي دورها واتساع قاعدتها الجماهيرية، ما دفع نحو مشاركتها في منظمة التحرير، لاسيما أن الدعم العربي كان يتوجه إلى المنظمة، ما أضعف قدرة التنظيمات الفلسطينية على الاستمرار خارج إطار المنظمة. وقد أدى انخراط التنظيمات السياسية في مؤسسات المنظمة إلى إحداث تحولات جهورية باتجاه ترسيخ النظام السياسي الفلسطيني الناشئ، أهمها: إبراز الوطنية الفلسطينية، وتشكيل صيغة جبهوية على أساس «التعددية التوافقية». إلا أن تلك الصيغة الائتلافية أنتجت ميلاً إلى تركيز وتجميع السلطات والصلاحيات في قيادة المنظمة والأمناء العامين لتنظيماتها السياسية، على نحو أدى إلى تقليص دور المؤسسات الوطنية التمثيلية في المنظمة، كما أفضت إلى قيام بنية مؤسساتية شهدت تضخماً ملحوظاً، وبيروقراطية مفرطة، ما وفّر أرضية خصبة للعديد من المظاهر السلبية التي انعكست على أداء المنظمة، وعلى النظام السياسي الفلسطيني بوجه عام. وكما يلاحظ الكاتب، فإن المسألة الديمقراطية لم تحظ بالأولوية في حقل المنظمة وفصائلها، إذ جرى اختزالها في نظام «الكوتا» وآلية الإجماع في اتخاذ القرارات، وكان من نتائج ذلك أن استمر نفوذ حركة «فتح» على كافة مؤسسات المنظمة، في ظل تحكم رئيس اللجنة التنفيذية (رئيس المنظمة وزعيم «فتح»)، لما له من شخصية كاريزمية ورمزية وطنية. لقد شكلت تلك العوامل والاختلالات عائقاً رئيسياً أمام نشوء قوى ضاغطة باتجاه تنفيذ الإصلاح، ومن ثم حدّ ذلك موضوعياً من إنجاز متطلبات الإصلاح في المنظمة ومؤسساتها. وإلى ذلك، يستعرض الكتاب عوائق أخرى مثل: الإبقاء على نهج المحاصصة وتقاسم النفوذ، وإهمال الجانب المؤسَّساتي لمصلحة التركيز على التناقضات السياسية بين فصائل المنظمة، وغياب برنامج سياسي يعكس توافق القوى السياسية الفلسطينية، والافتقار إلى رؤية موحدة حيال إصلاح النظام السياسي الفلسطيني، واقتصار الإصلاحات المتحققة في المنظمة والسلطة الوطنية على الجانب الإداري. وبشأن الضغوط الخارجية على السلطة الفلسطينية، يقول المؤلف إن الضغوط الأميركية والإسرائيلية بشكل خاص، سعت لتحويل القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني من الاحتلال إلى قضية إصلاحٍ لمؤسسات السلطة الفلسطينية، ما قوّض صدقية عملية الإصلاح، وساهم في إحجام القوى السياسية والوطنية الفلسطينية عن المشاركة في متطلباتها، خاصة في ظل تضارب الأجندة الأميركية الإسرائيلية مع الأجندة الحقيقية للعمل الوطني الفلسطيني وأهدافه. محمد ولد المنى الكتاب: إصلاح النظام السياسي الفلسطيني المؤلف: د. محمد عبدالله أبو مطر الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية تاريخ النشر: 2012