دعوة لمواجهة التسيب في «دوانينج ستريت»... وفرنسا تشن حرباً ضد متطرفي مالي العمليات العسكرية الفرنسية ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة في مالي، واختيار أوباما لشخصيات مثيرة للجدل لشغل مناصب مهمة في إدارته، والتسيب الحاصل في مقر رئاسة الوزراء البريطانية في 10 دوانينج ستريت... موضوعات نسلط عليها الضوء ضمن عرض أسبوعي للصحف البريطانية. مواجهة حتمية تحت عنوان "من الحيوي التدخل الآن وإيقاف هذا التغلغل القاتل للميليشيات المتطرفة في مالي"، كتب"إيان بيريل"، مقالاً في عدد "الإندبندنت" الصادر يوم الأحد الماضي حذر فيه من سقوط مدينة "موبتي" التاريخية، التي يقول إنها تقع على خط المواجهة بين الماضي والحاضر... بين الميليشيات المتطرفة التي تريد أن تفرض رؤيتها المشوهة والمدمرة للإسلام، وبين الناس الذين لا يريدون أن يكون لهم دور في خلق واستمرار "كابوسهم الوحشي"- على حد تعبيره- وأن احتمال سقوط تلك المدينة كان من بين الأسباب التي دفعت الفرنسيين لإرسال قواتهم لحمايتها نظراً لأهميتها الفائقة كثاني أكبر مدينة في مالي، وأهم نقطة شمالية ما زالت في أيدي قوات الحكومة. يقول الكاتب إن تلك المدينة لو سقطت، فسوف يسقط معها 120 ألف إنسان، في أيدي المتطرفين الذين يريدون فرض رؤية متشددة للإسلام، على هذا الجزء من مالي، وهي رؤية تقوم على الفصل بين الجنسين وتحريم الموسيقى والغناء، والتفسير بالغ التشدد والمغلق للشريعة، وهي كلها أمور غريبة على الإسلام كما يعرفه أهل مالي الذين يميلون إلى النسخة المتسامحة الوسطية المعتدلة من هذا الدين، والذين ما زالوا حتى الآن يعانون من صدمة الانقلاب العسكري الذي أوقف مسيرة عقدين من التقدم في بلدهم. يرى الكاتب أن العالم قد تأخر كثيراً في إدراك أهمية مالي، على الرغم من أن تنظيم "القاعدة" سعى طويلا لأن تكون له قاعدة متقدمة في أفريقيا. لكن ما حدث في مالي لا يمكن- مع ذلك- اعتباره إرثاً لـ«بن لادن»، كما أنه ليس من تداعيات سقوط نظام القذافي في ليبيا، والذي نتج عنه عودة قوات الطوارق الجيدة التسليح التي كانت تقاتل إلى جوار نظامه إلى قواعد في مالي. في رأي الكاتب ما حدث في مالي عبارة عن خليط غريب من النزاعات المحلية والإقليمية، والعداوات العشائرية، وأحياناً الشخصية، التي يرجع البعض منها لعقود، والتي ساهمت في تأجيجها الأرباح الطائلة التي يتم جنيها من أنشطة تهريب المخدرات، وقطع الطريق، وخطف السياح. كما أن الحرمان الاقتصادي وضغوط التغير الاجتماعي في مالي كانا في رأيه من ضمن الأسباب التي دفعت المعتدلين لدعم الإسلاميين. ويمضي الكاتب للقول إن محاولة فهم طبيعة التحالفات التي تتم في المنطقة، والتي نتجت عما يطلق عليه "العاصفة الرملية العاتية"، هو أمر يقرب من المستحيل. ولكن لماذا يعتبر التدخل الفرنسي في الأزمة المالية مهماً؟ يتساءل الكاتب. يعتبر كذلك كما يقول لسببين: الأول، أن مالي تعتبر من اللاعبين الإقليميين المهمين التي لا يريد شعبها الاصطفاف مع المسلحين الإسلاميين الذين كانوا سبباً رئيسياً في المصائب والمآسي التي يعاني منها بلدهم وتعاني منها المنطقة بأسرها. السبب الثاني: لأنها دولة لها علاقات وثيقة مع أوروبا، وعلى وجه الخصوص فرنسا حيث تعيش جالية مالية كبيرة. والسبب الثالث، أن المنطقة قد تحولت إلى أرض لقوى تخوض حروباً بالوكالة عن قوى أخرى. وهذه القوى تدفقت عليها أعداد كبيرة من المسلحين من دول قريبة مثل بنين ونيجيريا ودول بعيدة مثل باكستان علاوة على أن هناك دلائل لا تخطئها العين على أن عدداً من الدول العربية على رأسها الجزائر منخرطة في المسألة وتقوم بضخ أموال طائلة لفصائل المقاتلين المختلفة. "فرض الانضباط" "المزيد من الأدلة على أن 10 دوانينج ستريت يحتاج إلى إحكام القبضة" هكذا عنونت "الديلي تلجراف" افتتاحيتها يوم الاثنين الماضي، والتي تناولت فيها التصريحات التي أدلى بها مؤخراً "ستيف هيلتون" كبير المستشارين السياسيين لرئيس الوزراء كاميرون، والتي أعرب فيها عن خيبة أمله بسبب التعطيل المستمر الذي تتعرض له أجندة أعمال الحكومة من قبل تحالف غير مقدس بين بروكسل والبيروقراطية البريطانية العتيدة. وفقاً لما قاله هيلتون فإن 30 في المئة من وقت الحكومة يتم تخصيصه لتنفيذ بنود البرنامج الذي انتخبت من أجله، أما باقي الوقت فيتم إنفاقه في التعامل مع لوائح الاتحاد الأوروبي ومع " أشياء عشوائية" ليس لديها علاقة مع حكومة الائتلاف الحاكمة، وإنما يتم تقديمها من قبل الموظفين الحكوميين الذين يعشقون "التقليب في الأوراق" كما قال. ووصف المستشار الوضع بأنه بات فظيعاً للغاية لدرجة أن مسؤولي دوانينج ستريت أصبحوا، وعلى نحو متزايد، يعرفون أخبار السياسات الجديدة من خلال الإذاعة والتلفزيون وهي سياسات لا يقتصر الأمر على أنهم لا يعرفون عنها شيئاً، بل وأنهم لا يوافقون عليها أيضاً.هذا الوضع المزعج يشير في نظر الصحيفة إلى عجز في القيادة من جانب كاميرون نفسه من ناحية، وإلى ضعف بنية الموارد البشرية في 10 دوانينج ستريت. وقالت إن رغبة رئيس الوزراء في تفويض بعض صلاحياته أمر مرحب به ويعتبر من مبادئ الإدارة الحديثة، ولكن ليس إلى الحد الذي يؤدي إلى ذلك القدر من التسيب السائد في هذا المبنى العريق، وأن عليه الآن أن يعمل من دون إبطاء، على إحكام قبضته على مجريات الأمور لتقليل عدد المشكلات التي يصطدم بها إلى أقل حد ممكن. آفة النسيان تحت عنوان فريق أوباما الجديد يظهر أن دروس العراق قد نُسيت، كتب "جاري يونج" مقالاً في عدد "الجارديان" الصادر يوم الأحد الماضي، رأى فيه أنه على الرغم من كل التضحيات الأميركية البشرية والمادية التي تكبدتها في صراعاتها العسكرية وعلى وجه الخصوص حرب العراق. وعلى الرغم من كل المذابح التي ارتكبتها، والفوضى التي أثارتها، والأعداء الذين خلقتهم في تلك الحرب، فإن هناك عدداً ضئيلاً من الدروس الثمينة هو الذي تسرب في نهاية المطاف للطبقة السياسية في واشنطن. مع ذلك فإن التعيينات الأخيرة التي أجراها أوباما، على إدارته تشير إلى أن كل ما قاله عن "طي صفحة السياسة الخارجية السابقة"، لم يكن سوى مجرد كلام نظري لأنه لم يستطع في الواقع مقاومة إغراء العودة إلى نفس الشخصيات التي صاغت أحدث وأكثر فصول تلك السياسة من حيث سوء السمعة، وذلك عند محاولته رسم ملامح الفصل القادم من تلك السياسة. ويمضي الكاتب للقول إن معارضة أوباما لحرب العراق كانت ضرورية لتعزيز صورته وتوطيد جاذبيته سواء داخل الحزب "الديمقراطي" أو أمام الأمة الأميركية بشكل عام حيث كان مضطراً من أجل مواجهة النقد الموجه إليه باعتباره سياسياً يفتقر إلى الخبرة ويتسم بالطموح الزائد، إلى تقديم أدلة ملموسة على أنه رجل ذو مبادئ، ويتمتع بالقدرة على الحكم السليم. فقبل أسبوع فقط من تصويت السيناتور جون كيري، والسيناتور تشك هاجل لتأييد تلك الحرب، تحدث أوباما ضدها خلال تجمع حاشد في شيكاغو عندما كان عضواً بمجلس "الشيوخ" عن ولاية إيلينوي، حيث وصف الحرب بأنها "حمقاء" و"طائشة ولا تقوم على العقل، وإنما على العاطفة، وليس على المبادئ وإنما على اعتبارات السياسة". وإذا أخذنا في اعتبارنا أن 62 في المئة كانوا يدعمون تلك الحرب، فإن ما فعله أوباما اعتبر مخاطرة كبيرة بالنسبة لسيناتور كانت كل الدلائل تشير إلى أن إمكانياته تؤهله للحصول على منصب سام. ولكن المشكلة كما يرى "يونج" أن أوباما منذ أن حصل على المنصب السامي، وأصبح رئيساً للولايات المتحدة دأب على تصعيد من أيدوا تلك الحرب "الحمقاء" و"الطائشة" والتي لم تكن تستند على المبادئ لتولي مناصب كبرى في الوزارات المهمة في إدارته... فقد احتفظ بـ"بوب جيتس" وزير الدفاع في إدارة بوش في نفس المنصب؛ وعين هيلاري كلينتون التي اعتبرت تأييدها للحرب في العراق أبرز نقاط ضعفها في خلال المرحلة التمهيدية من انتخابات 2008 الرئاسية في منصب وزيرة الخارجية، وها هو الآن يختار «هاجل»، و«كيري» اللذين أيدا تلك الحرب عندما كانا عضوين في مجلس الشيوخ الأول عن ولاية نبراسكا والثاني عن ولاية ماساشويستس. بل ويختار " برينان(مرشحه لتولي رئاسة الاستخبارات المركزية الأميركية)الذي كان متورطاً حتى النخاع في برامج التعذيب في إدارة بوش، ومسؤولاً عن الهجمات التي تشنها الطائرات التي تطير من دون طيار. إن معظم الناس في العالم بصرف النظر عن تعليمهم، أو ديانتهم، أو جنسيتهم، قد أدركوا منذ البداية أن تلك الحرب كانت فكرة رديئة. أما هؤلاء الذين كانوا في السلطة في الولايات المتحدة، ولم يدركوا، أو لم يستطيعوا أن يدركوا، أو لم يريدوا من الأساس أن يدركوا، فهم في نظر الكاتب المسؤولون عن أكبر غلطة ارتكبتها السياسة الخارجية الأميركية، وأكثرها دموية، على الأقل خلال العقد الأخير. ومن هنا فإن الثقة في هؤلاء الذين ارتكبوا ذلك الخطأ، أو أيدوا ارتكابه، وتكليفهم بمهمة خوض الحرب التالية التي يمكن أن تواجهها الولايات المتحدة، تعتبر في نظر الكاتب تجاهلاً ونسياناً تاماً للكيفية التي تورطنا بها في الحرب الأخيرة. إعداد: سعيد كامل