عصر نووي «ثان»... وتطورات مرتقبة في «النقد الدولي» ما هي ملامح «العصر النووي الثاني»؟ وفي الذكرى الثالثة لزلزل هايتي إلى أي مدى وصل مردود المساعدات الدولية المقدمة إلى أفقر بلد في نصف الكرة الأرضية الغربي؟ وماذا عن تغيير سياسات صندوق النقد الدولي؟ تساؤلات نجيب عليها ضمن إطلالة سريعة على الصحافة الدولية. عصر نووي ثان تحت عنوان «العصر النووي العالمي الثاني»، كتب «بول بركن» مقالاً يوم السبت الماضي في«جابان تايمز» اليابانية، رأى خلاله أن إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ بالستي طويل المدى، أثار في ديسمبر الماضي سلسلة من الإدانات على الصعيد العالمي، عكست حالة من العجز. عملية الإطلاق كشفت واقعاً لم يعد بالإمكان تجاهله، ألا وهو أن العالم دخل عصراً نووياً جديداً. “بركن" أستاذ الإدارة والعلوم السياسية بجامعة "يل"، قال :إطار هذا العصر لا يزال قيد التشكل، لكنه سيتبلور خلال السنوات القليلة المقبلة، فالمستجدات تطرح مخاطر، ومن ثم يتعين إعادة توصيف القواعد الجديدة والخطوط الحمراء. التغير الذي فرضته المستجدات استغرق خلال العصر النووي الأول قرابة عشر سنوات، وهذا الأمر قد يأخذ منحى مختلفاً. في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشرق آسيا، تضاعفت العداوات القديمة خاصة في سياق نووي يجعلها أكثر تعقيداً، وهذا من شأنه تغيير عمليات التموضع العسكري في الشرق الأوسط. وضمن هذا لإطار نقلت إسرائيل أجزاء من ترسانتها النووية صوب البحر في غواصات نووية تحمل رؤوساً نووية، وذلك للحيلولة دون تعرضها لهجمات مفاجئة... إسرائيل أطلقت أيضاً جيلاً جديداً من الأقمار الصناعية، لتوفير معلومات بشأن استعدادات "دول أخرى" لشن هجمات صاروخية، وضمن هذا الإطار، فإن إيران إذا قامت بتحريك أية صواريخ، فإن إسرائيل ترغب في معرفة ذلك على الفور. كما أن معضلة السلام العربي- الإسرائيلي، بات ينظر إليها، في سياق التهديد النووي الإيراني، فالمشكلتان باتتا مرتبطتين ببعضهما بعضاً. فكيف لإسرائيل التعامل مع هجمات صاروخية قادمة من غزة أو لبنان أو مصر إذا كانت تل أبيب تواجه تهديداً يتمثل في هجوم نووي إيراني، وماذا بمقدور الولايات المتحدة وإسرائيل أن تفعلا إذا نفذت إيران تهديداتها، وقامت إسرائيل بإخلاء مدنها أو نشر صواريخ في بلداتها لضمان أن أي هجوم سيطال تلك المدن سيسفر عن خسائر هائلة. ويشير الكاتب إلى أن باكستان زادت من حجم ترسانتها النووية، خلال السنوات الخمس الماضية، بمقدار الضعف. وقواتها المسلحة تتموضع في إطار تكتيكات ميدانية نووية جديدة، أما الهند فطورت صواريخ وغواصات وقاذفات نووية واختبرت خلال عام 2012 صواريخ بالستية عابرة للقارات قادرة على الوصول إلى بكين وشنغهاي. الهند أطلقت أقماراً صناعية كي تساعدها على استهداف القوات الباكستانية. وفي شرق آسيا باتت كوريا الشمالية نووية، وتضيف قنابل اليورانيوم إلى ترسانتها. أما الصين فقد طورت قواتها النووية لتصبح محمولة على صواريخ ومتنقلة عبر غواصات، وهذه الأسلحة يمكن وضعها على أهبة الاستعداد، بطريقة تجعلها مكشوفة بالنسبة للأقمار الصناعية الأميركية وأيضاً لوسائل الإعلام العالمية...وعلى هذا النحو بمقدور الصين الدخول بسهولة في أزمة نووية سواء مع الولايات المتحدة أو مع غيرها. وبالنسبة لروسيا، فإنها أجرت خلال الآونة الأخيرة مناورات نووية هي الأكبر منذ عقود، لتذكر الجميع بأنها لا تزال قوة نووية مهمة. ويرى الكاتب أن التطورات المحدودة تثير الجدل، لكن لا يمكن فهما بمعزل عن نظام أوسع نطاقاً متعدد الأقطاب، وهذا النظام النووي متعدد الأطراف، ينطوي على قناعة بأن حيازة السلاح النووي تأتي في إطار تعزيز المكانة العالمية لبلد ما وتجعله ضمن قائمة القوى الكبرى. ويطرح الكاتب تساؤلاً مؤداه: منذ متى، أو ما هي آخر مرة رأينا الولايات المتحدة أو أي بلد آخر يطالب بتوقيع الصين على معاهدة حظر الانتشار النووي، التي تقضي بتخليها عن القنبلة النووية؟ ففي ظل المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة، والمطالب المتمثلة في تقليص ميزانية أميركا العسكرية. وفي ظل صعود الصين لم يعد أحد يطالب الهند بالتوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي. ويستنتج "بول براكن" أن الهند أصبحت عضواً مقبولاً في النادي النووي. ويشير الكاتب إلى أن ثمة مشكلة هي الأخطر، ألا وهي انهيار دول كانت لوقت ما تحتكر القوة النووية، أو تدعم بلدان أصغر مثل كوريا الشمالية وباكستان وإسرائيل وربما إيران، وهذا الأمر يتطلب مجموعة من القواعد الخاصة بالدبلوماسية والعمل العسكري وضبط التسلح وذلك لضمان الاستقرار في نظام نووي لا يزال قيد التشكل، ومن غير المقبول (أو ليس من الاستراتيجي) التظاهر بأن هذه المشكلة غير موجودة. كندا وهايتي يوم الثلاثاء الماضي، وتحت عنوان «على كندا أن تركز على مساعدتها الموجهة إلى هايتي وألا تجمدها»، أشارت "تورونتو ستار" الكندية إلى تصريحات أطلقها رئيس الوزراء الكندي "ستيفن هاربر" منها أن المساعدات التي يقدمها الكنديون أحدثت فرقاً كبيراً في حياة سكان هايتي، وأن كندا تلعب دوراً في مساعدة هذا البلد على التعافي من كارثة الزلزال، من خلال توفير المأوى لهم والخدمات التعليمية لأطفالهم، وتحسين وسائل رعاية الأمومة والطفولة وتعزيز الإنتاج الزراعي ومكافحة الأمراض في هايتي. وتنوّه الصحيفة إلى أن كندا تأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة كأكثر بلدان العالم من حيث تقديم المساعدات إلى هايتي، إذ بلغت حصيلة المساعدات الكندية إلى هايتي (منذ 2006 إلى الآن) قرابة مليار دولار واحد، ومع ذلك لا تزال احتياجات سكان هايتي متعددة، والأمر قد يتطلب سنوات حتى يتعافى الناس من كارثة زلزال يناير عام 2010 الذي قتل 220 ألف شخص وشرد الملايين. ورغم هذه المساعدات لا يزال سكان هايتي- حسب الموقع الإلكتروني للوكالة الكندية للتعاون الدولي- هم الأفقر بين بلدان نصف الكرة الأرضية الغربي. وهذا الاستنتاج جعل وزير التعاون الدولي الكندي يهدد في الذكرى الثالثة لكارثة الزلزال بتجميد مشروعات الإغاثة الجديدة الخاصة بهايتي. وتنصح الصحيفة بأن يتم تشجيع المسؤولين في هايتي على تعزيز إدارتهم بدلاً من بث الخوف في نفوسهم بسبب الحديث عن قطع المساعدات. رئيس هايتي "مايكل مارتي" يدير بلاداً تعاني من الفساد وهدر الموارد والأوبئة، وهذا جعل عملية التعافي من الكارثة بطيئاً بدرجة غير مشجعة، لكن الولايات المتحدة ليست لديها خطة لزيادة المساعدات الخاصة بهايتي. وبالنسبة لكندا، فإنها إذا كان رئيس وزرائها يبحث عن مردود أقوى للمساعدات المقدمة إلى هايتي، فإن عليه أن يطبق نصيحة مفادها التدقيق في أموال المساعدات إلى تتسلمها حكومة هايتي. تطور في «النقد الدولي» يوم الجمعة الماضي، وتحت عنوان «تطور صامت في طريقه إلى الظهور داخل صندوق النقد الدولي»، نشرت "كوريا هيرالد" الكورية الجنوبية يوم الخميس الماضي مقالاً لـ"ستيفن ريتشر"المستشار السابق لصندوق النقد الدولي، وفيه أشار إلى أن السجالات الدائرة خلال العقد الماضي تمحورت حول منح الاقتصادات الناشئة المزيد من القوة التصويتية، أي تخفيض الحصص التصويتية للأغنياء. وفي ظل الديناميات الاقتصادية العالمية، فإن تحقيق إعادة هيكلة في صندوق النقد الدولي، كان أمراً طال انتظاره، خاصة وأن كبار المسؤولين في صندوق النقد الدولي أصبحوا أقل أميركية وأقل أوروبية، الآن بدأت بعض النتائج في الظهور منها قسم البحوث بصندوق النقد الدولي، حيث تتم المواجهة بين باحثين ينتمون إلى حكومات غنية، وباحثين يمكن اعتبارهم مفكرين جداداً. على سبيل المثال، فإن زيادة المعروض المالي خلال الربع الثالث من عام 2012، من وجهة النظر الأميركية، تساهم في تحفيز النمو الاقتصادي، ومن ثم توفير الوظائف للأميركيين. لكن إلى أي مدى ساهم المعروض المالي في تحقيق النمو أمر لا يزال مثار كثير من الجدل حتى داخل الولايات المتحدة، لكن بالنسبة للأسواق الناشئة، فإن انتهاج هذه السياسة قد يسفر عن تداعيات سلبية، وذلك على الرغم من أن صناع القرار في هذه البلدان يتفقون على أهمية التحفيز المالي للاقتصاد الأميركي. التقرير الخاص بالربع الثالث من عام 2012 ركّز على تعزيز أسواق المال وليس الاقتصاد الحقيقي. صندوق النقد الدولي استنتج أن معدلات الفائدة المتدنية في الولايات المتحدة، مرتبطة بزيادة التدفقات المالية إلى الاقتصادات الناشئة، وهذه الزيادة، تتسبب في تخفيض قيمة العملة وزيادة قيمة الأصول. وهذا معناه زيادة أسعار الصادرات وزعزعة النظام المالي في الأسواق الناشئة. وحسب الكاتب، فإن دولاً مثل البرازيل وكوريا الجنوبية قد انتهجت سياسات مغايرة لسياسة التوسع النقدي التي كانت بنداً أرثوذكسياً لدى صندوق النقد الدولي. وينوه الكاتب إلى إصلاح «الحوكمة العالمية» يعني ما هو أكثر من تغيير الحصص التصويتية في صندوق النقد الدولي ومجلس إدارة البنك الدولي، فالأمر يتعلق بضمان نصيب عادل ومتساو من الأعباء التي تتعلق بالتمويل وهيكلة الاقتصاد العالمي. إعداد: طه حسيب