لم يدر بخلد الفتاة التي سجلت مقطع الفيديو «الضو مب طايع يلبق» إطلاقاً أن عفويتها وتلقائيتها في التعبير عن ذاتها ستتحوّلان بهذا الشكل الصادم إلى مادة للتندر والتقريع والاستهزاء لحدّ الإسفاف في مجتمعات العالم الافتراضي، حتى أن الأمر وصل إلى الإعلام التقليدي من صحف وقنوات تناولت انتشار مثل هذا المقطع وغيره في الإعلام الاجتماعي. لقد أوجدت تقنيات الاتصال الحديثة من هواتف ذكية متصلة بالإنترنت ومزودة بتطبيقات شبكات الإعلام الاجتماعي ثورة اتصالية ومعلوماتية لا تقل في التأثير إن لم تكن أكبر من الثورة الإعلامية التي حصلت إبان انتشار البث الفضائي. ولم تكد المجتمعات العربية تفيق من صدمة الفضائيات التي غيرت في الوعي المعرفي للمشاهد العربي سواء بالسلب أو الإيجاب، حتى وقع الجمهور في براثن تقنيات الاتصال الحديثة، وأكدنا عدم قدرتنا في إثبات نضجنا في كثير من الحالات عند استخدام هذه التقنية. بل على العكس قدّمنا ما يعكس سطحية عدد غير قليل من المستخدمين العرب للتقنية الحديثة. وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي تضج يومياً بآلاف الصور ومقاطع الفيديو حول مختلف الموضوعات الحياتية، ولو تم إخضاع هذه المواد المنشورة للتحليل لما استغربنا بأن كثيراً منها تحمل الطابع الترفيهي مقارنة بالمواد الأخرى ذات الطبيعة الجادة أو المفيدة. إن استخدام وسائل الإعلام لأغراض ترفيهية يكاد يكون من أكثر الاستخدامات جذباً للجمهور كما ثبت ذلك في بعض الدراسات الإعلامية التي طبقت نظرية «الاستخدامات والإشباعات» لوسائل الإعلام. وفي عالمنا العربي هناك ما يقارب الألف قناة فضائية، كثير منها قنوات ذات طابع ترفيهي ومنوّع. كما أن معظم البرامج في القنوات الاجتماعية والمنوعة هي ذات طابع ترفيهي أيضاً. لطالما حذر علماء الاتصال والاجتماع من تسطيح الوعي بسبب القنوات الفضائية، ولكن الأمر أصبح أكثر خطورة ومدعاة للقلق مع تطور وسائل الإعلام الاجتماعي وما رافقه من هوس جماهيري بهذه الوسائل واستخدام غير رشيد لها في كثير من الأحيان. وتكمن الخطورة في أن هذه الوسائل الحديثة أصبحت واسعة الانتشار وفي متناول شريحة واسعة من الجمهور العربي، وهي وسائل ذات قدرة على الحشد والتأثير، كما أنها بطبيعة الحال تتخطى الحدود ولا يمكن السيطرة على المحتوى المتداول فيها. ومن أهم خصائص وسائل الإعلام الاجتماعي أن أي شخص يمتلك التقنية يستطيع إنتاج أي مادة والوصول إلى الجماهير فالأمر لا يتطلب سوى فكرة سواء كانت قيمة أو ساذجة لنشرها في تغريدة بـ«تويتر» أو في صفحة شخصية في «فيسبوك» أو صورة في «انستغرام» أو مقطع فيديو في «يوتيوب» أو «كيك» وربط كل هذه التطبيقات ببعضها بعضاً ونشرها لتجد طريقها في العالم الافتراضي. البعض يرى أن أكثر ما ينتشر في فضاء الإعلام الاجتماعي هو من «الغثّ » الذي يتناقله الناس بشغف وهوس غريبين. وعلى الرغم من وجود «السمين» والمفيد في هذه التقنيات الجديدة إلا أن المشكلة الفعلية تكمن في كيفية استخدامنا لهذه التقنيات لا في التقنية نفسها. ومن الظلم الحكم على التقنية وتحميلها أخطاء استخدامنا غير المنضبط ودون وعي. إننا بحاجة إلى مزيد من الدراسة والتحليل حول تأثيرات وسائل الإعلام الاجتماعي في البنية الفكرية والثقافية للجمهور العربي، وحول سلوك وعادات استهلاكنا لها. كما أن الحاجة أصبحت مُلحة في نشر ثقافة الاستخدام الرشيد لهذه الوسائل وكيفية تسخيرها لخدمة المجتمعات والأوطان ونشر الثقافة والوعي، لا أن تتحول إلى أدوات تغرقنا في التسطيح.