على رغم حالة عدم الوضوح التي تحيط بمستقبل العلاقات بين الأقباط والمسلمين في مصر، والتي تتمثل في انسحاب ممثلي الكنيسة من الجمعية التأسيسية يوم 16 نوفمبر الماضي، إلا أن التعاون الحالي بين الطائفتين يدعو للتفاؤل بمستقبل العيش المشترك في مصر. وربما يكون المثال الأكثر بروزاً لهذا التعاون هو "مبادرة بيت الأسرة". فرداً على تفجير كنيسة القديسين في عام 2011، أطلق الشيخ أحمد الطيب، إمام الأزهر "مبادرة بيت الأسرة"، التي رحب بها البابا شنودة الثاني، بابا الكنيسة الأرثوذكسية. ويشير تعبير "بيت الأسرة" في الثقافة المصرية إلى "بيت الأجداد"، حيث يجتمع أفراد الأسرة للاحتفال بالأعياد وحفلات الزواج، والمواساة في الأحزان، وحل الخلافات. وتسعى مبادرة الأزهر إلى بناء هذه الروح الأسرية. وقد بدأت "مبادرة بيت الأسرة" رسمياً في يوليو عام 2011 بعد أن تمت الموافقة على بيانها التأسيسي من قبل رئيس الوزراء السابق عصام شرف. ويرأس هذه الوحدة بشكل مشترك الإمام الأكبر وبابا الكنيسة الأرثوذكسية، ويضم مجلس أمنائها رجال دين من الأزهر والكنائس الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية، إضافة إلى شخصيات عامة. ويتمثل هدف المبادرة النهائي في العمل لإيجاد مؤسسة للتعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين دون الخوض في الخلافات العقائدية. وقد لخص نصر فريد واصل، المفتي السابق للديار المصرية، هذه المهمة في أربع كلمات: "الدين لله ومصر للجميع". وتهدف المبادرة إلى تنظيم حملات توعية يتم فيها نشر الطروحات الدينية المتسامحة المشتركة. وتعقد اجتماعات طارئة مع رجال الدين المسيحيين المحليين والأئمة ورؤساء البلديات ورؤساء الشرطة بعد أي خلاف طائفي لحله سلمياً واستباق أية حوادث مستقبلية. وإضافة إلى ذلك، حثت مبادرة "بيت الأسرة" الحكومة على الموافقة على قانون ينظّم عملية بناء الكنائس ويعمّق الأحكام الدستورية لمبادئ المواطَنة لكافة المصريين. كما قدّمت توصيات بتخليص المناهج المدرسية من أي تحيزات دينية. ولا تقتصر جهود الحد من التوترات الطائفية فقط على المستويين الرسمي والوطني. فقد أطلقت مبادرة أخرى هي "أيتام الأقباط" وهي منظمة غير رسمية أسسها مهاجر قبطي في الولايات المتحدة "مشروع الفتاة الثمينة" عام 2003. ويستهدف هذا المشروع الفتيات في المناطق شديدة الفقر في كافة أنحاء مصر ويسجّلهن في برامج رعاية وتوجيه. وقد اجتذب المشروع انتباهاً عالمياً لدعمه كافة الفتيات اللواتي يحتجن إليه بغض النظر عن دينهن. وقد ذكرت إحدى الفتيات المسلمات أنها كانت لديها انطباعات سلبية حول هذا البرنامج، ولكنها اكتشفت بعد الانضمام إليه أنه لا توجد فروق بين الفتيات المسيحيات والمسلمات. وهذا المشروع الخيري فريد حيث إنه يهدف إلى تغيير تفكير الناس ولا يقتصر فقط على الأعمال الخيرية التقليدية. ويقف المصريون الآن على مفترق طرق في التاريخ، ما يجعل السعي إلى حوار يؤدي إلى تفاهم أكبر ويشيع ثقافة التسامح والتعايش البناء ضرورة مُلحة ومطلباً وطنياً بالغ الأهمية. مجدي عزيز طوبيا ــ ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ دبلوماسي مصري ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية